شرط الدولة الواحدة..!
محمد عبد الجبار الشبوط ||
عنوان هذا المقال، اي “شرط الدولة الواحدة” هو عنوان كتاب من تأليف Ariella Azoulay و Adi Ophir صدر باللغة العبرية لاول مرة في تل ابيب سنة ٢٠٠٨ و بعنوان فرعي هو: “الاحتلال والديمقراطية في اسرائيل/ فلسطين”.
ضمنا يطرح الكتاب فكرة ان لإسرائيل وجهين: الاول الوجه المواجه للغرب وهو ان اسرائيل دولة ديمقراطية، والوجه الثاني المواجه للفلسطينيين وهو ان اسرائيل دولة محتلة. وهذه الازدواجية تستبطن التناقض. فلا يمكن ان يكون الاحتلال ديمقراطيا،
او لا يمكن ان توصف دولة قائمة بالاحتلال بانها ديمقراطية؛ لانها لا يمكن ان تكون كذلك. فما بالك اذا كان هذا الاحتلال يصادر كل الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين؟!
يقول الكتاب: “إن العديد من اليهود الإسرائيليين، سواء من اليمين أو اليسار، يتفقون على أن الاحتلال يشكل مشكلة للديمقراطية الإسرائيلية، ولكنهم لن يعترفوا بأن إسرائيل ليست ديمقراطية بسبب الاحتلال، أو أن طبيعة النظام خلال أكثر من أربعة عقود من الاحتلال والاستعمار وحكم غير المواطنين يجب أن تخضع للفحص.”
انطلاقا من هذه الحقيقة يمكننا ان نسلط الضوء على المأزق التاريخي الذي وقع فيه اليهود الذين اقاموا الكيان الاسرائيلي، بل مأزق الكيان نفسه.
المعروف ان العمل من اجل اقامة الكيان الاسرائيلي بدأ مع المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897. وكان هرتزل واصحابه غارقين بافكار ومفاهيم القرن التاسع عشر التي تركزت على اقامة دولة دينية عنصرية مغلقة لليهود. بعد حوالي مئة عام تغيرت الكثير من الافكار السياسية ولم يعد هناك مكان طبيعي لمثل هذه الدولة في النظام الدولي الجديد. وهذه هو جوهر المأزق التاريخي الذي تعاني منه اسرائيل.
حين رفض السلطان عبد الحميد الثاني طلب هرتزل منحه ارضا في فلسطين لتكون وطنا قوميا لليهود لم تكن معالم هذا المأزق قد لاحت في الافق العربي، لكن الهزائم العربية المتتالية (النكبة عام ١٩٤٨، والنكسة عام ١٩٦٧، والتطبيع بدون مقابل الخ) منح الكيان الصهيوني عمرا اضافيا وابعده عن الاختناق في مأزقه التاريخي.
ولم تكن الاستراتيجيات العربية التي طرحت للتعامل مع الكيان الصهيوني ذات فاعلية حقيقية في حل ما سمي بالصراع العربي الاسرائيلي او الاسرائيلي الفلسطيني او الاسرائيلي الايراني. فلا استراتيجية القضاء على اسرائيل والقاء اليهود في البحر نجحت، ولا المبادرة العربية لحلّ الدولتين نجحت، ولا التطبيع بدون مقابل نجح في حل المشكلة واحلال السلام في الشرق الاوسط.
هنا تأتي اهمية كتاب “شرط الدولة الواحدة”، والحل الذي يقدمه للنزاع اليهودي الفلسطيني (او حتى الاسلامي) على ارض فلسطين التاريخية كما يعرفها على الاقل هيرودوتس، وكذلك الحل الذي يقدمه للمازق التاريخي للكيان الصهيوني ذي الوجهين من جهة، فضلا عن كونه دولة عنصرية دينية مغلقة، وهو وصف تجاوزته البشرية في القرن الحادي والعشرين ولم يعد مناسبا او متوافقا مع روح العصر.
الحل الذي يقدمه الكتاب هو دولة واحدة لكل البشر الساكنين في الارض الممتدة من النهر الى البحر والمسماة منذ القدم بفلسطين، بشرط ان تكون هذه الدولة ديمقراطية في تعاملها مع شعبها المختلط من يهود ومسلمين ومسيحيين وغيرهم؛
وان تكون بطبيعة الحال دولة علمانية لا ينحصر توصيفها بدين واحد او قومية واحدة.
وهذا ما يتطلب اجراء تغييرات جوهرية واستراتيجية في معالجة المشكلة، ويتمثل هذا الاجراء في تبني استراتيجية تغيير النظام regime change القائم حاليا في فلسطين بشقيها. وهذا الاستراتيجية سوف تتطلب ايضا تغييرا جوهريا في أساليب ووسائل النضال من اجل حل ما سمي بالمشكلة الفلسطينية.
انه نمط مختلف من التفكير.