هل تتحول مصر من المحروسة الى المحاصرة ؟ 1
علي عنبر السعدي ||
– الجغرافيا – موضع اطمئنان أم عوامل حرمان ؟
– النهر أم الأزهر ؟
– كيف شرنقت مصر نفسها ؟
– السعودية ساهمت بحرب بين ايران والعراق – فإلى أين تدفع بمصر ؟
– أغلقت مصر ثغرة ،فانفتحت عليها أبواب .
– داء العظمة ودواء الجغرافيا .
مصر تلك البلاد العريقة في التاريخ ، وهبتها الجغرافيا (حراسة)الشمال طبيعة ،جعلتها ب(مأمن )نسبياً عن الأخطار القادمة إليها من خارجها، ففي الشمال والشرق ،أحيطت ببحرين (الأبيض والأحمر) شكلا حاجزاً طبيعياً ،ومنحا مصر هبة تمثلت بصعوبة الحصار ،
فالبحار ،طالما شكلت منافذ مهمة للبلدان الواقعة على سواحلها ، اضافة الى توفيرها ثروات يعتاش عليها الكثير من أهلها ، لكن بقيت هناك ثغرة برية ربطت مصر الأفريقية ،ببر الشام الآسيوي ،ومنها جاءت معظم الغزوات نحو مصر منذ فجر التاريخ.
في الغرب ،كانت الصحارى الشاسعة التي لم تنشأ فيها إمبراطوريات او دول كبيرة يمكنها تشكيل تهديداً لمصر ،وان شكلت تلك الصحارى ،ساحات حرب لمستعمرين قادمين من خلف البحار – كما حدث في العلمين -.
أما في الجنوب ،فكانت السودان التي كانت لفترات طويلة ،ضمن النفوذ المصري ، فيما لم تكن أثيوبيا قد ظهرت بعد كقوة ستشكل اخطاراً داهمة على مصر ، ولم ينتبه المصريون لذلك في وقوت أبكر ، فوقعوا ما وقعت فيه الامبراطوريتان الرومانية والفارسية ،حين لم تقدرا الخطر القادم من الجزيرة ،ما تسبب بإسقاطهما .
الجغرافيا ذاتها ،التي طالما شكلت عامل اطمئنان لمصر، شكلت بدورها عامل حرمان ، بدءاً من اسم مزر (مصر) كما جاء في الألواح الأكدية التي ربما تعني المئزر ،مايستر الوسط من الجسد ، أو كابد أو آبد ( العابد أو العامل) التي تحولت الى (اجيبت ) القبط ،ومن تفسيراتها المزدحم أو الممتلئ (قبّط).
كانت تلك التسمية على اختلاف تفسيراتها ،يبدو انها رصدت حقيقة الحياة في مصر ، التي ارتبطت بشريان واحد لنهر وحيد (النيل *) يمتد بين تلك الصحارى الشاسعة ، فيبعث الحياة في بعض أجزائها التي لاتبعد كثيراً عن مجراه .
إن من أطلق على مصر(هبة النيل ) قد وصف بدقة واختصار ،علاقة المصريين بذلك النهر، الذي ان شح ،شحت حياة المصريين جوعاً ،وان وهب ،فاض الخير ، لذا خصصوا له عروساً كل عام ترتدي كامل زينتها ،وتزف بطقوس وتراتيل ، في اشارة رمزية الى ان مصر بأكملها هي (عروسة النيل) العاشقة .
ذلك تمهيد للدخول الى واقع مصر اليوم ، وهي مهددة بمحور حياتها – فكيف ستتصرف مصر؟؟ وكيف ولماذا يبدو طوق الحصار ،وهو يلتف حول مصر ؟؟
ماالذي فعلته مصر ؟ وما الذي لم تفعله ؟ لتصل الى ما هي فيه ؟؟—
الحلقة القادمة : مراهنات مصر ودور الأزهر –
الخطأ المتسلسل والصواب المنقطع .
(*) يذهب بعض الباحثين الى ان تسمية (النيل ) مشتقة من (آن ليل) السماء الممطرة ، وهو إله الرعود والامطار والعواصف في الحضارة الرافدينية ، وبالتالي اشارة الى مواسم الخير والنماء .
– لادولة كبيرة – دون اعداء خطرين
– ركزت مصر على تاريخها ، أكثر من مستقبلها
في تجارب الشعوب ،حينما تصل دولة ما ،الى المبالغة في مصادر قوتها ، اعتماداً على تاريخها ، ذلك الاعتماد الذي قد يخلق واقعاً متصوراً ، معظم ذاته ،تكون من نتائجها (قوة ظاهرة وضعف كامن ).
كانت لتجربة محمد علي ، ما أثر محورياً ليس في التاريخ المصري وحسب ، بل في رفع مستوى الثقة بالقدرات ، اذا أظهر ان مصر بإمكانها أن تكون بقدرات (امبراطورية) تستطيع أن تفرض سيطرتها على ماحولها ، وكان لذلك عامل اطمئنان في أن مصر بمنأى عن الاستهداف ، فليس من دولة مجاورة تستطيع ذلك .
تجدد ذلك مع تجربة عبد الناصر، الذي أنعش القول بأن مصر تستطيع أن تكون قائدة العرب ـومن ثم تكتسب بذلك قوة أخرى توسع في الجغرافيا وتمتد في صنع تاريخ يعاد صنعه بأساليب حديثة اعتماداً على شعارات قومية .
صمود مصر أمام العدوان الثلاثي ،منحها بعض معنويات اضافية حاولت فيها تجاوز هزيمة1948 بتحميلها لفساد الملك فاروق ، وان مصر بقيادتها الجديد ،تستطيع اعادة مصر كما كانت عليه زمن محمد علي ، أو العمل على تجاوزها .
ذلك ما عزز ثقتها بنفسها ، لكنها ربما لم تدرك التطورات التي أنزلت مصر من طموحها (القائد) ليهبط بها الى دولة ذات تاريخ ليس بالضرورة يصنع مستقبلاً ،وبذات الوقت ،دقّ ذلك (الحلم) أجراس الخطر في خصوم لايستهان بهم .
كانت حرب اليمن ،أولى التجارب لاستنهاض جديد ، لكنها كذلك كانت الصدمة الأولى التي أظهرت مصر ،بموقع بمن لا يستطيع الانتصار ،كما كانت الخطأ الأول لعدم واقعية القدرة القيادية .
ثم جاءت الصدمة الأكبر التي جعلت طموحات مصر تتراجع أكثر الى مجرد دولة اقليمية كبيرة لكنها ليست دولة قائدة (حزيران 1967) .
وفاة عبد الناصر ،سجل نقطة تحول في الدور المصري ،وعودته من ثم الى نوع من الواقعية ، لكن ذلك لم يكن ممكناً دون اعادة لنوع من الاعتبار ،تتمكن مصر من خلاله ،الاستعداد لمرحلة تكتفي فيه بالحفاظ على الذات .
كانت حرب تشرين 1973، بمثابة (مسح الغبار) عن وجه مصر، لكن تلك الحرب رغم الانتصارات الأولى واقتحام خطّ بارليف ، الا انها انتهت على غير مابدأت عليه ،إذ ظهرت ثغرة (دفرسوار) حرب قوات شارون ،في جبهة يفترض ان لاتخرق ، ومازال السؤال قائماً :كيف استطاع الاسرائيليون احداث ذلك الاختراق ؟؟ .
حسم السادات ما يمكن تسميته (وهم القيادة ) بعد أن تراجع من مستواه السابق (حلم القيادة) فزار إسرائيل وعقد معها اتفاقات مازالت سارية (كامب ديفيد) ، وقد دفع حياته ثمناً لتلك الحسابات في تحجيم طموحات مصر ، والدخول الفعلي في (حالة حصار) أي ترك المجال للآخرين العمل على (الخنق الاستراتيجي لمصر) .
دخلت مصر مرحلة (الركود) وتراجع دورها السياسي الاقليمي والدولي، طوال عهد مبارك ، حيث كانت مصر تراوح مكانها ،وتحاول الايحاء بمكانتها ، لكن دون فاعلية تذكر.
الدعوات الى الأقلمة والهوية الوطنية المتشكلة من ثلاث ركائز (الفرعونية / الأزهرية )أولاً ، ثم العربية لاحقاً ،جعل مصر (وحدها ) واقعاً ، دون حلفاء استراتيجيين يمكن الاعتماد عليها ، فما أهم مافعلته مصر لاختراق محاولات الحصار، الذي كانت معالمة تتضح ؟؟ بماذا أخطأت ؟وبماذا أصابت ؟ مادور كل من الأزهر والإخوان المسلمين ؟ وكيف نظر كل منهما الى دور مصر ؟؟