الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024
منذ 4 أسابيع
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

✍ السيد بلال وهبي ـ لبنان ||


السلام عليكم يا أشرف الناس، وأطهر الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، وأخلص الناس، وأصبر الناس، حفظكم الله جميعاً، وفرَّج عنكم، وكشف كروبكم، ونصركم، وأَعَزَّكم في دُنياكم وآخرتكم.

هذه الحرب التي تُشَنَّ علينا قبل أن تكون حرباً عسكرية تستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة الفتَّاكة، هي حرب بين إرادَتَين:

• إرادة الله وعباده. الله الذي يرفض الظلم، والجور، والطغيان، والعُدوان. وعباده الذين يؤدّون واجبهم الوطني والأخلاقي والديني والإنساني في الدفاع عن قراهم، وترابهم، ووطنهم وأهليهم.

• وإرادة الأشرار الذين اتحدوا على عدوانهم على هذه الأمة، يريدون بسط نفوذهم على أوطانها، وإخضاعها، واستلاب قرارها واستقلالها وثرواتها، والتَّخلُّص من دينها واستبداله بدين مُبتَدَعٍ تحت اسم (الدين الإبراهيمي) وهو دين ينسف كل الأديان السماوية النازلة من السماء.

نحن المؤمنين بالله نعتقد أن الله تعالى لا يحب العدوان، والظلم، والطغيان، ونعتقد أنه ناصِرٌ عباده المُعتَدى عليهم، وإن تأخَر النصر لِعِلَّة نجهلها، ولحكمة لم يكشفها لنا الآن، وستكشف عنها الأيام الآتية.

ونعتقد أيضاً أن ما يريده الله كائن لا محالة، وأنه عندما تتعارض إرادة الله مع إرادة الإنسان فإرادة الله هي الجارية النافذة والله لا يحول بينه وبين إرادته شيء، ولا يُعجِزه شيء،

والله سبحانه يجري الأمور بأسبابها، والأسباب عادة لا تكون دفعية بل تدريجية، فيما تفرضه طبيعة الممكنات، فلا بد أن تتكامل كلها حتى يصبح ما كان مقَدَّراً، قضاءً مُبرَماً، ونحن نجهل تلك الأسباب، وقد يكون بعضها مشهوداً لنا ولكننا نجهل معناه، ولا ندرك ارتباطه بالتقدير الكامل لله تعالى، فلا يحسُنُ بنا أن نستعجل الأمر،

وقد قال تعالى: أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿1/ النحل﴾ وقال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴿37﴾ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿38﴾ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿39﴾ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴿40﴾ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿41/ الأنبياء

إن الله تعالى يرسم المشهد اليوم، ويقدِّر الأمور بطريقة لا تذهب إليها حتى أوهامنا، وسيُدهشنا في النهاية، إنه تعالى يصنع المشهد النهائي يؤلِّف مقاطعه كما يجمع واحدنا قِطَع البازل، فلا تستعجلوا رغم كل ما يُصيبكم.

يا أخوتي: واضح أننا تجاوزنا الصدمات الأولى التي كانت قاسية، وكادت أن تكون قاصمة لولا إيمانكم بالله، ويقينكم برعاية الله، وصبركم، وثباتكم، وثقافتكم الحسينية التي ترعرعتم عليها، وارتضعتموها من صدور أمهاتكم الشريفات العفيفات الطاهرات، وها هم أُسودكم في سوح الوغى وميادين الشرف والعِزَّة والكرامة يخوضون أشرس المواجهات بهِمَّة حيدرية، وبأسٍ عباسِيٍّ، ورباطة جأشٍ حسينية.

فماذا أنتم فاعلون؟
دوركم بعد الصمود، والصبر، والثبات، أن تلجأوا إلى الله بالدعاء، نعم الدعاء، لا تقلِّلوا من أهميته في حياتكم كلها، سِيَّما في هذه المرحلة المصيرية، فالدعاء يردُّ القضاء بعد أن أُبرِمَ إبراماً. كما قال الصادق الأمين (ص)، نعم فالدعاء يغيِّر الأقدار، ويقلب الأمور سافلها عاليها، شرط أن تكونوا في دعائكم موقنين بتأثيره، وموقنين بأن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

راجعوا معي ما قصَّه الله علينا في القرآن الكريم ستجدون أن الدعاء كان عاملاً أساسياً من عوامل النصر، لِعِلَّل كثيرة، واحدة منها: أن الله تعالى يريدنا أن نتوجَّه إليه وحده، أن نسأله وحده، وأن نُحسِنَ الظنَّ به وحده، والله لا يُخَيِّب من دعاه والتجأ إليه.

إن القلَّة القليلة التي بقيت مع طالوت، حين رأوا كثرة جيش جالوت عدداً وعُدَّة دعوا الله قائلين: “…

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿250/ البقرة﴾
فماذا كانت النتيجة؟ لقد أخبرنا الله بها إذ قال: “فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ…” ﴿251/ البقرة﴾. ودققوا في قوله تعالى: ” فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ”.

وقال تعالى: “وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿146﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿147/ آل عمران﴾

فماذا كانت النتيجة؟ أيضا أخبرنا الله بها إذ قال: “فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿148/ آل عمران﴾، وثواب الدنيا يشمل النصر والفتح.
وحدَّثنا الله عن العُصبة المؤمنة من المسلمين في معركة أُحُد وقد أُثخِنوا بالجراح وثُكِلوا باستشهاد كوكبة من الشهد…اء،

وفي مقدمتهم الحمزة سيد الشهد…اء، فلما دعاهم رسول الله (ص) إلى الخروج ثاني يوم، وجاء المنافقون يخوِّفونهم من أن المشركين قد حشدوا الحشود لمقاتلتهم فلم يعبئوا بذلك بل مضوا مع النبي رغم ما بهم من جراح، وما مضى منهم من شهد…اء،

فقال تعالى: “الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿172﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173/ آل عمران﴾.

فماذا كانت النتيجة؟ أيضاً أخبرنا الله بها إذ قال: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿174/ آل عمران﴾. ثم عَقَّب الله على ذلك، بالتحذير من تخويف الشيطان لنا، هذا التخويف الذي يمارسه الإعلام المُعادي اليوم،

فقال سبحانه: “إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿175/ آل عمران﴾.

وحدّثنا الله في كتابه الكريم عن حال المسلمين في معركة بدر وقد كانوا قِلَّة أيضاً، وكان عتادهم لا يوازي عتاد المشركين بل يقل عنه بنسبة ضخمة، لقد استغاث النبي (ص) بالله تعالى قائلاً:

اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ وَأَنْتَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ وَكَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ عَنْهُ الْفُؤَادُ وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ وَيَخْذُلُ فِيهِ الْقَرِيبُ وَيَشْمَتُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَعْنِينِي فِيهِ الْأُمُورُ أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَاغِباً فِيهِ إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ عَنِّي وَكَفَيْتَهُ فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَاجَةٍ وَ مُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ فَلَكَ الْحَمْدُ كَثِيراً وَلَكَ الْمَنُّ فَاضِلًا”. فأنزل الله قوله تعالى: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9/ الأنفال﴾.

فماذا كانت النتيجة؟ أيضا أخبرنا الله بها إذ قال: “وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10/ الأنفال﴾.

يا أخوتي: إن الله تعالى ذكر لنا في كتابه الكريم عوامل النصر، والتي منها، الإعداد الشامل لكل ما تتطلبه الحرب، من إعداد للأفراد، وإعداد للعدَّة، والأخذ بالأسباب، وإجادة التخطيط والتنفيذ، والاعتصام بحبل الله، والقتال على قلب رجل واحد، وذكر منها أيضاً: الصبر، والمصابرة، والطاعة لولي الأمر، والثبات في مقابل الأعداء، والدعاء،

قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿45/ الأنفال﴾

فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر، فأثْبَتُ الفريقين أغلبهما، وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشَدَّ مِمّا يعانون، وأنه يألَم كما يألَمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون، فلا مَدَد له من رجاء في الله يُثَبِّتُ أقدامه وقلبه! وأنهم (المؤمنون) لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذِل عدوّهم وينهار، وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين: الشها…دة أو النصر؟ بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا، وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها، ولا حياة له سواها؟!

وأما ذكر الله كثيراً عند لقاء الأعد…اء فهو التوجيه الدائم للمؤمن، وإنَّه لَيُؤدِّي وظائف شتى: إنه الاتصال بالقوة التي لا تُغلَب، والثقة بالله الذي ينصر أولياءه، وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها، فهي معركة لله، وما يكون لله فإن الله يتكفَّل بكل نتائجه وآثاره، كما أنه توكيد لهذا الواجب- واجب ذكر الله- في أحرج الساعات وأشد المواقف.

وإذا فعليكم بالدعاء، وهذا أقل ما يمكنكم فعله، دعوا هواتفكم جانباً، دعوا كل ما يُشغِلكم عن الله، لا تكتفوا بإرسال الأدعية بواسطة الواتساب، تحسبون أنكم قمتم بما يجب، توضؤوا، واستقبلوا القبلة، وادعوا الله، ادعوه بدعاء الجوشَن الصغير، ودعاء يا من إذا تضايقت الأمور.

وكونوا على يقين من أن الله يسمعكم، ويجيبكم، وسينصركم إن شاء الله.