شكوى الكيان الصهيوني على العراق أمام مجلس الأمن.. مقاربة مختلفة..!
د. نعمه العبادي ||
رفع الكيان الصهيوني شكوى الى مجلس الامن ضد الدولة العراقية على اساس انها تتيح أراضيها لهجمات تنطلق من العراق وتستهدف وجودات الكيان، وزامن ذلك تحذير منه للدولة العراقية بالرد والاستهداف، وقد اتخذت الحكومة العراقية مجموعة من الاجراءات، ووجهت الجهات المعنية بإتخاذ مجموعة خطوات، وبينت في تصريح، ان قرار السلم والحرب حق حصري للدولة وفق الدستور،
شكل هذا الموضوع إنقساما حادا حول الآراء والمواقف، وامكانية تطبيق مفهوم قرار الحرب في هذا المورد، وكذلك التفريق بين الحرب على دولة كاملة السيادة، والوضع مع الكيان، إذ لا يعترف العراق الى هذه اللحظة بإسرائيل كدولة، وفي هذا الصدد أورد مجموعة من الملاحظات:
١- إن اسرائيل صاحبة الرقم القياسي في تكرار حالات عدم احترام الشرعية الدولية، وعدم الالتزام بقرارات مجلس الامن والامم المتحدة والمحكمة الدولية، وقد اعلنت العداء صراحة تجاه الامم المتحدة ورئيسها وتجاه المحكمة الدولية، ولم يسجل التاريخ احترامها يوما ما لمقررات تدينها من مؤسسة دولية.
٢- اكدت السيرة التاريخية، ان الولايات المتحدة والغرب عموما، وقف الى جانب اسرائيل زورا في مئات المواقف والمشاهد، وتم استعمال ما يسمى بحق النقض الفيتو عشرات المرات لحماية اسرائيل من اي ادانة دولية، هذا كله الى جانب الدعم المفتوح واللامشروط للكيان، وان اقبح صور هذا الدعم، تمثلت بالصمت العالمي على ما يجري في غزة ولبنان.
٣- من منظور حقوقي، فإن مؤسسات النظام الدولي وفي مقدمتها مجلس الامن متورط حد النخاع في : التعدي على سيادة الدول، وحماية المعتدين، وتبرير العدوان والاحتلال، والنظر بمعيار مزدوج للكثير من القضايا، وانه يتحرك مع موازين القوة ويقف بالضد من الضعفاء، ولم يشهد العالم المعاصر وخاصة منذ اكثر من سبعين سنة موقفا واحدا مشرفا وعادلا وحقيقيا، تبعه اجراء عمليا، في اي ملف من ملفات الازمات التي عصفت بالعالم، بل، ثبت العكس.
٤- مما لا شك فيه، ان فكرة قرار الحرب، لا تتصل بالطرف المحارَب وشكله وحدود شرعيته، بل، تتصل بالطرف المعلن للحرب سواء كان ذلك دفاعا او هجوما، وهو واضح الآلية في الدستور العراقي، لكن مفهوم الحرب وقرارها يمكن ان يكون محل نقاش وجدل في بعض الصور، وفي ذات السياق، لا بد من التفريق بين حق المقاومة وقرار الحرب، ومع ذلك فإن حق المقاومة له توصيفاته الخاصة في الادبيات الحقوقية والسياسية والعسكرية.
٥ – من وجهة نظري، إن افضل مقاربة للتعاطي مع موضوع الشكوى الاسرائيلية وما يمكن ان ينتج عنها، والواقع المتصل بها، وفقا لمجموعة مقدمات وهي الآتي:
– إن الاكتراث والاهتمام بهذه الدعوى ومؤداها ونتائجها، لا ينطلق من شرعيتها، ولا من حق اسرائيل في اقامتها، ولا من الحاكمية الشرعية لمجلس الامن، بل، ينطلق من واقع ملتبس، تتضح فيه بشكل لا لبس فيه، هشاشة النظام الدولي، وعجزه، وسطوة اسرائيل ومن يقف معها، وفي المقدمة امريكا والغرب، لذلك من غير المستبعد، ان تتماهى امريكا والغرب مع هذه الدعوى الباطلة، وتكرر وقوفها الى جانب اسرائيل، خاصة وان الامر لا يتعلق بالعراق فقط، بل، هو يحمل جنبة نكاية وعدوان على كل ما يتصل بإيران، وقضية نشاط الفصائل له علاقة بهذا الموضوع.
– إن الموقف المنحاز والمحرض لصالح اسرائيل، لا يتوقف على امريكا والغرب، بل، هناك انظمة ودول اسلامية وعربية، منخرطة بشكل واضح في مساندة اسرائيل او على الاقل السكوت على افعالها، ومعظم هذه الدول، تضمر كراهية وعداء لعراق ما بعد 2003، ومن غير المستبعد، ان تحرض وتدفع، بل، وتعطي الرشى مقابل الاضرار بالعراق ومصالحه.
– ان الظروف الصعبة التي مر بها العراق قبل وبعد 2003، ربطت بعض اوضاعه (ظلما) بيد العامل الخارجي، فالمقدرات المالية وواردات العراق بضمانة الطرف الامريكي، وكذلك موضوع الاجواء العراقية والتسليح ونوعه، وامور كثيرة، تمثل ظروف ضاغطة وحاكمة، تقتضي التصرف بعقلانية وواقعية مع كل تحدٍ من التحديات، فلا نستبعد، استغلال هذه الامور بالضد من العراق.
– في ذات سياق النقطة السابقة، لا تزال مجموعة من التهديدات تحيط بالعراق، وخيوطها بيد اطراف اخرى، وفي مقدمة ذلك الارهاب، فلا يستبعد، ان تقوم تلك الاطراف بتحريك ودعم وتحفيز خلايا الارهاب وتمكينهم، بل، هناك عشرات ابواب الشر التي قد تفتح على العراق في هذه الظروف.
– ان اي اعمال حربية ميدانية، لا يمكن ان تتحرك بواقع منفصل عما حولها، لذلك، فإن الحكومة والدولة العراقية محتاجة الى ان تكون على بصيرة ودراية بكل نشاط عسكري على ارض العراق، والسياق الذي يأتي فيه، وما يترتب على ذلك من تبعات، ومن غير المشروع ولا الصحيح ولا العملي، ان توضع الدولة ومؤسساتها في صورة العاجز، بل والمحرج، من خلال جرها الى اوضاع عسكرية وميدانية، لم تخطط لها ولم تقصدها اصلا، وليست في وارد اهدافها.
٦- ان مضمون ما ورد في النقطة (٥)، لا يساوي خذلان الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، ولا يتضمن المداهنة والسكوت، ولا يشجع على الاستسلام، ولا يجرد الشعوب من حقها في رفض الظلم ومواجهته، ولا يشرعن الوضع الحرج الذي يمر به العراق، ولا يصحح الموقف الدولي المنحاز، بل، هو مقاربة واقعية تؤخذ بعين الاعتبار كل الظروف والملابسات، وتجعل مركزية الفعل العسكري والامني منوط بالدولة ومؤسساتها الرسمية، حفاظا على البلاد والعباد.
٧- اننا وفي منظور سلم الاوليات والاهميات، لا نحتاج الى فعاليات عسكرية موجهة للكيان في هذه اللحظة كأسبقية، بل نحتاج الى:
أ. وفاق وطني متماسك وحقيقي، يعكس صورة من الثقة بين جميع المكونات والاطياف، ويتبدى في موقف قوي وموحد، يفاوض الاخرين على حقوق العراق ومقدراته من موقع القوة والاقتدار والايمان بالحق.
ب. موقف انساني مبدئي شجاع، ينصف المظلومين ويصرخ بوجه الظالم، بغض النظر عن الانحيازات الدينية والمذهبية والقومية والسياسية، بل، بغض النظر عن اي مصالح ضيقة.
ج. تمكين ذاتي ينعكس على كل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القوات المسلحة والمؤسسات الامنية، انطلاقا من كونها مؤسسات وطنية حامية وحافظة لكل العراقيين بغض النظر عن اختلافهم.
د. سياسة خارجية ودبلوماسية فعالة ومؤثرة، توظف الوفاق الوطني، والاقتدار الذاتي، وشبكة العلاقات المهمة في نصرة الحق واهله، والدفاع عن القضايا المحقة، والمساهمة في ايقاف الحروب والصراعات وحماية المدنيين، وحل المشكلات بطريقة منصفة.
ه. ان جميع الفعاليات التي تجري تحت مناصرة الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، ينبغي لها، ان تضع المصلحة العراقية العليا، نصب عينيها، وان تجعل محور حركتها يدور حول العراق واستحقاقاته الوطنية والدولية، بعيدا عن الاهتمام بمصالح اي طرف آخر.
ز. ان الظنون الخاطئة والمتوهمة للبعض بأن القضاء على الحشد والسلاح العقائدي، يساوي تمكين اصحاب تلك الظنون، وانفرادهم في الساحة، وحظوظا اوفر من المصالح والمعطيات، هو توهم عظيم، واشتباه كبير، وعلى اصحابها ان يصحوا من نومتهم، ويستفيقوا لحالهم، فلحظة تجريد العراق من هذا العنصر المهم في الموازنة، سيتيح للكثير من اعداء العراق تحقيق مآربهم وغاياتهم، وسوف يؤخذ العراق الى مناطق اكثر ضعفا وتقيدا.