الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

مسار المعصومين والمصلحين في التاريخ ..!

منذ أسبوعين
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

علي عنبر السعدي ||

– استراتجية زرع الأزمنة في فكر الامام علي .
– المقولة والأمثولة .
– علي ونشيد الأزمنة
– لكل زمن علي
– اليليوم – حاكم اريدو
– ايدابا – حكيم كيش – المعصوم
– أوركاجينا وحقوق الانسان
– أحيكار الحكيم – سقراط
– حكماء الصين
– بوذا – زرادشت
– كسب معاوية زمنه – وكسب علي كل الأزمنة –
– بين الحاكم الدنيوي والرمز الاسطوري-
– شرف الغاية من شرف الوسيلة ؟ أم الغاية تبرر الوسيلة-
– أنسنة الدين وتصور الالهة والحاكم
– حقوق الانسان ودولة الحرية
– العرب أوجدوا خطاباً ولم ينتجوا فكراً .

عندما كنا نسمع من أهلنا ونحن صغار بأن الامام علي كتب اسمه في اللوح ، طبعا كانوا يقصدون لوح القدر ، ، لكن وجد هذا الاسم في لوح سومري قدّر ما بين عشرة الى خمسة عشر الف سنة قبل الطوفان – لأول حاكم في التاريخ ولأول مدينة – أريدو- (اليليوم ) ولأن السومريين تغريهم التسمية الموحية ،

مثل نشيد الحقول وقمر المحاربين وسواها ، لذا ايليوم لقد يعني البحر العالي ،وجد في الالواح انه حكم ( 28 )الف ، هذا الرقم حير العلماء باعتقادهم انها 28 الف سنة ، وبالتالي اعتبروها نوعاً من شطحات السومريين ولم ينتبهوا الى ان السومريين بأيحاءتهم ، قصدوا شروق شمس 28 الف صباح لتكون بحدود 77 سنة ، هذا اول اسم ذكر منذ أزمنة سحيقة في التاريخ ، ولم يكن احد يصدق ان اسم ايلي او علي او العالي ، موجود فعلا بهذه الالواح واطلق على أول ملك .

وجدت ان لكل حضارة وزمن هناك (علي (اسطوري أو تاريخي ، والأسطورة تعرّف بأنها حلم الجماعة ، بمعنى احداث واقعية تعاد صياغتها بطريقة شعرية وتصبح مقدسة .
هناك ملك سمي (حكيم كيش ) وعرف بأنه لا يخطئ أي (المعصوم ) هذا الحكيم رفض كما تقول الأسطورة ان يمنح الخلود وفضل ان يكون العمل هو الذي يخلد الانسان .

ذات يوم سمعت مارسيل خليفة يقول : عجبت لهذا الكتاب – يقصد التوراة أو العهد القديم – المليء بالدماء والدمار والمدن المحروقة ، كيف يحوي هذه البقعة من الضياء أي نشيد الانشاد.

من يقرأ التاريخ الإسلامي العربي ، سيجد ان هناك ما يشابه هذا القول : كيف لهذا التاريخ الممتلئ بالدماء والسبايا والحرائق والدمار، أن يحوي مثل هذه البقعة من الضياء التي مثلها الامام ؟

هناك شخصية أخرى كانت اول من انتبه للفقراء والمساكين ، أوركاجينا 2290 ق.م واضع أول اعلان لحقوق الانسان ( لن يقع اليتامى والمساكين تحت ظلم الأقوياء ) ذلك ما يذكر بشخصية الامام علي الذي انحاز للفقراء بشكل كامل وجعل العدل هو أساس الإيمان.

بعد ذلك هناك شخصية أخرى تشابه في رمزيتها الامام علي هو أحيكار الحكيم وزير سنحاريب ومن مقولاته (من حفر حفرة لأخيه ملأها بقامته) . .

في الحضارات الأخرى ، فلا تكاد تقرأ لحضارة دون ان توجد فيها هذه الشخصية : في الصين الحكماء الثلاث لاوتسو وكونفشيوس وموتزو ، عند الاغريق سقراط ، عند الرومان فرجيل عند الهنود بوذا وعند الفرس زرادشت الخ .

التاريخ الإسلامي تأسس على صراع بين مدرستين تركت بصماتها على كل الحضارات اللاحقة : شرف الغاية من شرف الوسيلة ، التي ظهرت بعد ذلك في المقولات الماركسية ، والغاية تبرر الوسيلة كما ظهرت عند ميكافيلي هذه حقيقة ظهرت منذ صراع علي ومعاوية ، فقد سكب معاوية زمنه ، لكن علي كسب كل الأزمنة ، معاوية حاكم وربما من محاسن الصدف ان الذين ينكرون عدم حصول الامام علي ،على ولايته بعد الرسول ، أكسبهم حكيما ورمزاً ، حتى لو أفقدهم حاكماً، فهوالان أكثر تأثيرا في الفكر العالمي .

لقد شهد التاريخ عشرات الالاف من الحكام ، لكن القليل من الرموز ، وكل رمز لابد ان يؤسر ففي اسطورة ايدابا ، اشتقت منها الادب و المدرسة – بيت الالواح- ، وفي الأسطورة انه كسر جنح الرياح كي لا تثير العواصف ، وفي الموروث الاسطوري ان الامام علي أوقف الشمس .

الامام علي زرع مقولة وامثولة ، فعندما دخل عليه الخارجي وقال ياعلي لا اصلي ورائك ولا اعترف بك اماما وليس لك علي سلطان – الخ ، فرد عليه الإمام : لك كل ذلك ولك من مال المسلمين من عطاء على لا ترفع عليهم سيفك ،فهذه الامثولة التي هي الان مقياس الدول المتحضرة التي تعنى بحقوق الانسان لك ان تعارض كما تشاء وان تقول كما تشاء على ان لا ترتكب جرماً ،

هذا هو الفارق الذي زرعه الامام علي في الأزمنة لينتج لاحقا ازمنة أخرى وفي امكنة أخرى لذا عندما قال الامام علي مقولته ( ربي ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعا في ثوابك انما وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك ) هذه فلسفة أراد ان يقول للحاكم : لا تضع الناس بين احتمالين : اما خائفا منك او طامعا فيك ،هذه مقولة ذات جذرا اجتماعي وليس فقط في مخاطبة الله .

هنا يجعل من الاله ربّاً ،وهناك فارق بين الرب والاله ، الاله (الا هو ) الكلي القدرة وهذه لم تظهر في الحضارة الا بـعد 2350 ق.م أي بعد الأكديين عندما ظهرت اسطورة (ماردوخا ) سيد الكون ، ومار تعني المرور الحرّ ،لتمييز بين من يسير مقيدا ،ومن يسير حرّاً ، لذلك وردت كلمة حرية بالسومرية (مارجي ) يعني سيد الأرض او السائر على الأرض بحرية دون قيد .

وهنا البناء الفلسفي في الفكرة : الإسلام قائم على الثواب لمن اطاع ، والعقاب لمن عصى ، الامام علي ادخل مفهوماً جديدا لا علاقة له بالثواب ولا بالعقاب ، بل بالعدالة ، لذلك عندما اكملها بمقولة أخرى عن الحاكم ، حاكم كافر عادل خير من حاكم مسلم جائر ، وضع العدل أساس الايمان وليس الايمان بالإله فقط ، .

وربما هي من المفارقات ان تكون خلافة عمر قد اتاحت للإمام علي ان يتأمل وان يضع نظرية في علم الاجتماع محورها الانسان ، لذا فالازمنة التي زرعها ، انتجت عدالة وحقوقا للإنسان ، وانتجت ثورات حتى وان متأخرة ، فظهرت في التاريخ دولة الحقوق والعقد الاجتماعي .

الامام علي اشتغل للإنسان، وان بقي مؤمنا برب اعلى في ظل المدرسة الاسلامية ، لكنه أسس لمدرسة جديدة ،لم تتطور عند معتنقيها ،وتركت في اطار البكائيات على حقّ سليب ، رغم ان هذا الحق السليب منح الإنسانية مفكراً ورمزاً مازالت تستلهمه .
لقد انقطعت النبوة بعد محمد في تاريخ العرب والمسلمين رغم ماجاء بعده ، وانقطع الرمز الإنساني بعد الامام علي رغم ماجاء بعده كذلك .

التاريخ بعد علي امتلأ بالدماء ، وقبل علي كان ممتلئاً بالدماء ، كما ملأوا عهد علي أيضا بالدماء ، لكن هذه البقعة المضيئة ، بقيت موجودة في هذا التاريخ ،وكانت اشبه بأنشودة إنسانية ، ليس بالمعنى العاطفي للإنسان ، بل بالمعنى المعرفي التأسيسي للعدالة.