الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

بعثة الحج (طريق الشهادة لقناديل السماء)

منذ أسبوعين
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

إنتصار الماهود ||

هي بعثة حج تختلف عن كل البعثات التي عرفناها قبل، بدأت من أزقة النجف العتيقة بأمر المرجعية الرشيدة، وصولا حتى مطلع الموصل، بعثة كرمها الله وحباها بأعلى مراتب الجنان فكل من فيها شهيد.

وقفتُ وسط القاعة الكبيرة وأنا أتنقل بين الصور وقصص أصحابها، هذا والدنا جمال وهذه صورة علي رشم، وهذا علم فلسطين الذي كان يحمله أحمد مهنا، وهذه حقيبة عزيزتا رنا العجيلي، وكأنهم عادوا من جديد أمامي للحياة ليحدثوني عن بعثة حجهم، وكيف سلكوا درب الشهادة فرحين بما أتاهم الله من فضله.

لا أعلم بأيهم سأبدأ وأي سطور ستحتوي تلك القصص العظيمة لبطولاتهم، فعدة مقالات لن تكفي لهم.

لنبدأ أولا بالحاج (حمزة عبد الجبار العبودي)، فهو لن يحلق رأسه في بعثة الحج لأنه سيحلق رؤوس أحلام أعداء الحياة، ويفضح نواياهم الخبيثة ويكشف زيف إسلامهم ويعري شعاراتهم، أما (حسين فاضل حسن العتابي) فهو لن يرجم الشيطان بالحجر، بل سيرميه وأتباعه بالرصاص حتى يتبين الخيط الأبيض من النصر،

اما (عبدالله بتال الجبوري) فكان سعيه بين مناطق صلاح الدين، وليس الصفا والمروة حتى حان موعد إنهاءه للشعائر كلها، وحاجنا (لؤي صادق الشمري) كان موعد حجه يختلف، فهو أدى حجه مع أصحاب الحسين عليه السلام في عاشوراء، وأي حج أعظم من أن تناصر الحسين عليه السلام، باسمنا الطيب ( باسم جعفر الكعبي) كانت ملابس حجه تختلف،

فقد أحرم ببزته العسكرية وليس الأبيض و أدى ما عليه،( سجاد محمد عبدالله) كان يردد إسم الحسين عليه السلام، وهو يؤدي مراسم حجه وكانت العبرات تخنقه، فترجمت تلك العبرات خطواته الحثيثة نحو الحج الأكبر،

أما ( حمزة علي حسين فليح) فقد لبى نداء الحجيج وسط أزيز الرصاص، ولم يترك مجالا لأصوات النشاز أن تطغى على نداء تلبيته، وكان طواف الحاج ( حسين حميد عبد الزهرة مختلفا) فقد طاف بين جبال حمرين، وكان أداء تلك الفريضة هي أمنية العمر بالنسبة إليه، و(عبد الكريم حليم طرفة)

كان مكانه بأن يكمل حجه في جبال مكحول، ويرمي جمرات الحشد على اللعين وأعوانه، أما (فلاح عبد الواحد بكر) فقد كان يحسب كل محطة يمر بها الحجاج وكان يريد أن ينزل معهم، الإ أنه موعده لم يحِن بعد، وأخيرا جاء الوعد ليستبدل مقعد حجه بمقعد صدق عند مليك مقتدر،

أما(علي الأنصاري) فقد كان يلهج بإسم علي عليه السلام ويتمنى أن يدفن بقربه، فنادى عليه قائد البعثة يا علي أنها المقدادية وهنا ستنتهي رحلتك، ونحن من سيعيدك لتراب أبي تراب وتدفن قربه، فتكون جاره في الدنيا والآخرة، أما الفلوجة فقد ترجل لها (ماجد عبد الزهرة حمدان الربيعي) ليكون شاهدا على إنهاء ما حدث فيها من معاناة لأهلها وإستيلاء الغرباء عليها.

عريس الحشد وشاعره وإبن مدينة الصدر،(علي رشم) هم لم يسمعوا له صوت في البعثة حتى أتاهم صوته وهو يردد:
من أولك لآخرك ماخذ أثر عيني
يومية أجيك بحلم والليل يخطيني
لولاك ريحة ضوة ما شافت سنيني
مرتين أجر النفس بس ما يكفيني

فنادى عليه صاحب البعثة يا علي محطتك هنا، في جرف الصخر والتي ستطهرها دماءكم لتكون جرفا للنصر، فإنزل يا علي لمحطتك وأدِ ما عليك، أما ( سعد هادي خلف المشرفاوي) إبن الناصرية فقد أذن له قائده بأن تكون محطة حجه في مطيبيجة، لتمتزج دماؤه الطاهرة بتراب هذه الأرض وتطهرها من دنس داعش.

ثم ترجل (سجاد نجم عجيل الفتلاوي) ليكمل مراسم حجه في تلعفر، أما ( عبد الحسين جبار كاظم الكعبي) فقد أذن له والدنا بأن يكمل حجه في سامراء المقدسة، لقد خرجت يد (علي محمود الشمري) بيضاء من غير سوء، ولم تحمل جيوبه من حطام الدنيا شيئا فقد كان يكتفي بصورة لقائد البعثة ومهندس الإنتصارات فهي كانت أعز ممتلكاته، وكان ( حسين ناجي العابدي) يخاف من أن لايصل في موعده لمحطته،

فطمأنه قائده بأنه سيصل لمحطته ولو بعد حين، وعاتب الرادود ( محمد حسن هادي الموسوي) علي رشم بأنه لم يكتب له قصيدة ليقرأها في مجالس الحسين عليه السلام، وإحتكما لقائد البعثة ليحكم بينهم فهو الضامن، أما الطالب ( أحمد حسن أموري) طالب الصف السادس إعدادي، فقد ترك إمتحانه ليلتحق بركب البعثة، أرجع كتاب التربية الإسلامية لحقيبته ونزل مترجلا من البعثة، فهنا كان الإمتحان الفعلي وهنا نجح أحمد بكليهما.

فجأة جاء صوت دافيء من بعيد صوت لوحده كان أمنا و أمانا لمن حوله ينادي: (لاتخافون إحنا أهلكم) ذلك الأسمر الجنوبي الشهم إبن القصب والهور، لقد كان ( حيدر عبد الواحد المياحي) بكل حرف ينطقه مطمئنا لمن حوله، وهو يخبرنا بأن رحلة حجه قد وصلت لنهايتها وسيكون هنا في الموصل،

( أحمد مهنا) أيها الطيب الخلوق يا وجع إستقر في قلوبنا، لقد كانت محطة حجك مؤلمة، لنا ترجلت من رحلتك في بغداد وكانت آخر كلماتك لا تتركوا المرجعية وتنصح أخواتك بالإلتزام الديني والأخلاقي.
ربما ستسألون هل بعثة الحج فقط رجال؟

بالطبع لا، فرحلتنا لن تكتمل الإ بوجود الزينبيات، كما كانت رحلة حج الحسين عليه السلام بها نساء عظيمات كمولاتي زينب عليها السلام، والتي مثلت الإعلام الحسيني القوي، فقد كانت أخواتنا (ندوة محمد كرحوت الخزرجي ورنا العجيلي)، بطلات زينبيات من أبطال الإعلام الحربي، كانت محطة حج ندوة الخزرجي في الدجيل، أما رنا العجيلي والدة الخمس اطفال فقد إنتهت رحلتها في القائم.

 

أما (وعد الله حسن المنصوري) فقد كان هو من يقود حافلة البعثة، حتى وصل الحدود فإستأذن من قائد البعثة بأن يؤدي حجه حول مرقد مولاتي العقيلة زينب عليها السلام، فأذن له قائده وطلب منه أن يقرأها السلام والدعاء نيابة عنه.

لم يبقى الكثير من المحطات أمام قائد البعثة الإ محطة واحدة، كان ينتظرها بشوق ليؤدي ما عليه من فريضة، هو ينتظر رفيق دربه وصديقه كي يحجا معا، فلا حج دون جنرال كرمان وستكون محطتهم الأخيرة على أرض مطار بغداد مقطعي الأوصال،

كمولاهم الحسين عليه السلام وهو ما نعرفه ونتوقعه، فها هو طريق الحسين لا لبس فيه ولا غبار، كانت ختام حياتهما مسك الشهادة سيرة مشرفة وعظيمة نفخر حين نسردها، كما سردها القائمون على متحف الشهداء في مديرية الإعلام للحشد الشعبي،

خاصة من كتب حروف تجسد الرحلة في المتحف الشاعر (إبراهيم الحفيف)، وتحاكي تلك القصص العظيمة والبطولات التي حدثت على سواتر العز والشرف لأتباع الحسين عليه السلام وتلاميذ مدرسته، صالح بعد صالح من الرجال والنساء ونحن سنكمل ما بدأوه إن شاء الله.

رحم الله ارواح شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته.