💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ عَذُبَ لِسانُهُ كَثُرَ إِخْوانُهُ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَذُبَ لِسانُهُ كَثُرَ إِخْوانُهُ”
معادلة أخرى يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، تعبر عن تأثير الكلام الطَّيِّب العذب واللّيِّن المُهذَّب في التواصل مع الآخرين، وبناء العلاقات معهم، وقدرته على تأليف القلوب واجتذابها نحو المتكلم، ويؤدي إلى زيادة المحبين والأصدقاء والإخوان، يقابل ذلك الكلام السَّيء، والخبيث، والقاسي، والمتفحّش النابي، فإنه يؤدي إلى النفور والعداوة.
الكلام هو من أهم أدوات التواصل بين البشر، ومن خلاله تُبنى العلاقات أو تُهدم، فالكلام الجميل الطيِّب يعكس أخلاق صاحبه ويُشعِر الآخرين بالراحة والاحترام، مما يؤدي إلى تكوين صداقات وعلاقات وثيقة، أما الكلام السَّيئ فهو يعكس أخلاق صاحبه أيضاً ويؤدي إلى النفور والعداوة.
إن الكلام الجَيِّد الطَّيِّب المُهذَّب اللّيِّن يقوّي العلاقات الاجتماعية، ويجلب المحبة والمودَّة، ويزيد في الإلفة بين الناس، ويُصبح مُلهِماً للآخرين، ويرفع معنويات المستمعين، ويمنحهم الأمل والثقة والرَّجاء، ويُكْسِب صاحبه ثقتهم واحترامهم، ويقلِّلُ من النزاعات، ويساعد على تهدئة الخلافات وحَلِّ المُشكلات، ويُزيل الحواجز النفسية بين المتكلم والمُخاطَب، ويوجد بينهما قواسم مشتركة يُبنى عليها.
أما الكلام الرَّديء الخبيث الجارج فإنه يخلق العداوة والنفور بين الناس، ويحطم نفوسهم، ومعنوياتهم، ويجرح مشاعرهم، ويؤجِّج النزاعات والخلافات، بل يؤدي إلى تفاقمها، وصولاً إلى تدمير العلاقة مع المخاطَبين، فضلاً عن إساءته إلى صاحبه، وفقدانه احترام الناس وتقديرهم وثقتهم به.
الإسلام دين يُعلي من قيمة الكلمة الطيبة، ويحذِّر من خطورة الكلمة الخبيثة، فقد أمر الله تعالى في كتابه المَجيد بالقول الحَسَن للناس، لأنه لا يليق بالمؤمن إلا ذلك من جهة، وتأليفاً لقلوبهم من جهة أخرى،
قال تعالى: “…وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا…” ﴿83/ البقرة﴾ وقال تعالى: “…وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿8/ النساء﴾ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70/ الأحزاب﴾
وقال تعالى: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿53/ الإسراء﴾
إن هذه الآيات الكريمات تأمر المؤمنين بأن يكون كلامهم أحسَنَ الكلام، تأمر بذلك على وجه الإطلاق وفي كل مجال، فيختاروا أحسَنَ ما يُقال ليقولوه، فإنهم بذلك يتقُّون أن يُفسِدَ الشيطان ما بينهم من مودة، فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة القاسية الخَشِنة حين تفلت من أحدهم، وبالرَّدّ السَّيء الذي يتلوها من الطرف الآخر، الشيطان يتلمَّس سقطات فَمِ الإنسان وعثرات لسانه، فيغري بها العداوة والبغضاء بين المَرء وأخيه، فإذا جَوُّ الوِدِّ والمحبة والوفاق مَشوب بالخِلاف ثم بالجَفوة ثم بالعداء، أما الكلمة الطيبة فإنها تَسُدُّ عليه الثغرات، وتقطع عليه الطريق، وتحفظ حرم الأُخُوَّة آمنا من نزغاته ونفثاته، وهي كذلك تأسو جراح القلوب، وتجمعها على الوُدِّ الكريم.
ولم يكتفِ الله تعالى بالدعوة إلى القَول الحَسَن بل ضرب لنا مثلاً حِسِّياً رائعاً، ومشهداً قوياً في إيحاءاته للكلام الحَسَنِ الطَّيب، والكلام السَّيء الخبيث،
فقال: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ”﴿26/ إبراهيم﴾
إن الكلمة الطَّيِّبة كالشجرة الطيبة، ثابتة سامقة مُثمرة لا ينقطع ثمرها، لأن بذورها تنبت في النفوس المتكاثرة آنا بعد آن، فالخير الأصيل لا يموت ولا يذوي، وإن الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة، قد تهيج وتتعالى وتتشابك، وما هي إلا فترة ثم تُجتَثُّ من فوق الأرض، فلا قرار لها ولا بقاء.
ختاماً: يجدُر بالمَرء أن يفَكِّر قبل أن يتكلَّم ليتأكَّد من أن الكلام يحمل معاني إيجابية قبل التَّفَوِّهِ به، ويتدبَّر في عواقبه عند المُخاطَب، وأن يختار الألفاظ اللطيفة اللَّيِّنة الطَّيِّبة التي تدخل القلب وتستقر فيه، وأن يختار الكلام المناسب لحال المخاطَب، متجنِّباً الُسخرية، والإستهزاء، والهمز واللَّمز، متواضعاً في حديثه، لا يكثر الكلام عن ذاته، حريصاً أن يكون مبتسماً فإن الابتسامة تزيد من أثر الكلام الإيجابي، وذلك كله يعكس نُبل أخلاقه، ويفتح له القلوب.
فجر يوم الخميس الواقع في: 28/11/2024 الساعة (05:11)