تأمَّلوا وصايا الشهداء..!
كوثر العزاوي ||
“وصايا تهزُّ الإنسان وتوقظه”
بهذا عبّر الإمام الخميني قُدس سره: “عندما أقرأ وصيّة لشهيد، فإنّني أشعر بالحقارة والضِعة”، وأضاف قائلاً: “إنّ هذه الوصايا تهزُّ الإنسان وتوقظه”.
نعم!
اليقظة ضالة المجتمع، ودليلها وصايا الشهداء، هي في الواقع ليست حروف مركبة في سطور، هي إشعاعات من نور، وقبسات مضيئة لمن ألقى السمع وهو شهيد، وتبقى الأقلام عاجزة عن تفسير كنه ماوراء وصاياهم، من فيوضات إلهية، تركت بصماتها على قلوبٍ أبصرت، وعقولٍ أدركت معاني حقيقة تلك النفوس، التي جسدت كثير من الحقائق فكانت مصداق عمليّ لآيات الله تعالى، وتجليات من قبس ماجاء في أقوال المعصومين “عليهم السلام”، فنراهم مصداقًا نابضًا في قول مولى الموحدين عليه السلام:
«أنفسهم عفيفة، صبروا أيامًا قصيرة أعقبتها راحة طويلة، تجارة مربحة يسَّرَها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدَوا أنفسهم منها».
“أرادتهم الدنيا فلم يريدوها”! لنضع مئة خط تحت هذه العبارة، فالمجاهدون الحقيقيون الذين صدّقت أعمالهم أقوالهم، هم وحدهم القادرون على الدخول في هذه الصفقة، -بيع وشراء- فتأملوا قول الله “عزوجل” فيهم: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء٧٤
أجل!
لقد باعوا الدنيا بالاخرة، بعد أن انكشف لهم دناءة الحياة المادية، وسراب حلوها، وزوال متاعها، ثم أعرضوا عنها وباعوها، بعد أن طلقوها بلا عودة، لانهم أدركوا، أن لا قيمة لها قِبال السعادة السرمدية، في الحياة الأبدية الخالدة! وذلك توفيق لا يُعطاه أيّ أحد. أمّا الذين تعلقت قلوبهم بماديات الحياة الدنيئة، وأوغلوا في ملذاتها ولو على نحو المباح، فلا يمكن أن يكونوا صالحين للجهاد أصلًا. لذا فليمسك عن الكلام والتمنّي، مَن لم ينتهِ بعد من الجهاد الأکبر، وقطع علائق النفس بالدنيا وحلاوتها. فلا ينبغي أن يكون المؤمن كثير الأقوال غير المشفوعة بعمل وتهيئة،
كي لا نرى قول الشاعر متجسّدًا فيه:
“نبني من الأقوال قصرا شامخا والفعل دون الشامخات ركامُ”
لذا فليس ثمة أصدق من الشهداء قولًا وعملًا، فتأملوا وصاياهم لتعرفوا كيف وصلوا وفازوا !!.
٢٥-جمادي الاولى-١٤٤٦هجري
٢٨-تشرين الثاني- ٢٠٢٤ميلادي