هل انتصر حزب الله أم انهزم..لماذا نتجادل حول هذه النقطة؟!
✍🏻 محمد حسن زيد ||
28 نوفمبر 2024
الفكرة الحقيقية التي يدور حولها الجدل ليست انتصار حزب الله أم انهزامه في حرب 2024 أو في عناقيد الغضب 1996 أو في تموز 2006، بل الفكرة التي نتجادل حولها هي جدوى منطق المقاومة من حيث هو وفاعلية أسلوب حزب الله في لجم إسرائيل وفرض نوع من توازن الرعب معها..
من اختار الاستسلام لإسرائيل من المنطقي أن لا يعتبر حزب الله منتصراً، لأنه لو اعترف أن حزب الله قد انتصر في هذه المواجهة أو غيرها فإنه إنما يُدين خيارَ الاستسلام ويجعله خسة وجُبنا ونذالة وخيانة.
من يريد الترويج لخيار الاستسلام لا يُمكن أن يعترف أن حزب الله قد انتصر أو استطاع أن يردع إسرائيل ولا أن يوقف زحفها البري بخمس فرق عسكرية كاملة ولا أن يدفعها للاعتراف بلبنانية مزارع شبعا تمهيدا للانسحاب منها لقطع ذرائع حزب الله مستقبلا..
لا بد في منطق هذا المستسلم أن يخرج حزبُ الله خاسراً مهزوماً ليبدوَ الاستسلامُ خيارا منطقياً وعقلانياً..
والأقبح من كل ما سبق هو أن يتآمر هذا المستسلم على حزب الله عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا لضمان هزيمته ليبدو الاستسلامُ خياراً منطقياً وعقلانياً!
لكل ما سبق مهما كان الانتصار جليا واضحا فلن يعترف به المستسلم وسيظل يجادل فيه..
كذلك هذا المستسلم الذي يريد لهذه الأمة أن تخنع من المنطقي أن يسعى جاهدا لإسقاط فكرة “وحدة الساحات” لأنها فكرة خطيرة جدا على مستقبل إسرائيل.. فمن أهم وظائف جداله هو إثبات أن إيران خانت حزب الله وأن حزب الله تخلى عن حماس وهكذا..
هذا المستسلم هو عائق جغرافي وفكري ومذهبي أمام “وحدة الساحات” فهو في لبنان يضغط على حزب الله باسم مصلحة لبنان وشعب لبنان ودولة لبنان وسيادة لبنان كي لا يتدخل إسنادا لغزة.. بينما هو خارج لبنان يستخدم لغة أخرى فهو أحيانا يعتبر حزب الله مغامرا يُناطح قوةً أكبر منه ويتسبب في دمار وطنه من أجل إيران وأحيانا يعتبره قد خذل غزة!
وعموما تجد أن استراتيجيته الاستسلامية تُحاول عزلَ حزب الله عن الجمهور العربي مستثيرا العصبيات المذهبية والقومية ضده باعتباره شيعيا إيرانيا قام بمواجهة التنظيمات التكفيرية السنية في سوريا.. وفي حالة حماس فإنه يعتبرها حركة ضالة تسببت بمقتل الفلسطينيين وإحراج الدول العربية..
من المنطقي أن لا يرى المستسلمون في “وقف إطلاق النار” إلا فكرة “الفصل بين الساحات” لأن هذا ما يريدون إثباته والترويج له أصلاً، بينما كيف كان رد فعل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي بعد إعلان “وقف إطلاق النار”؟ كان رد فعلهم مختلفا رغم إنهم هم من يخوض المعركة المصيرية ويحرص على الانتصار فيها.
باختصار: من يسعى لكسر إرادة غزة كي تستسلم لا يمكن أن يعترف بانتصار حزب الله لأن انتصار حزب الله سيدفع غزة وغير غزة من المسلمين للإيمان بقدرتهم على فرض ما يشاءون على إسرائيل إن هم استعدوا وصمدوا، إن لم يكن في هذه المعركة ففي معارك أخرى.. لذلك ففكرة انتصار حزب الله بعد كل ما أصابه فكرة خطيرة معناها أن لا بقاء لإسرائيل في أرضنا على المدى الاستراتيجي.
(ملحوظة: هناك فئة ترفض الاستسلام لكنها تتعاطى بازدواجية مع الموضوع فهي تؤيد حماس مهما كانت التضحيات والخسائر لمقاومتها، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تعترف لحزب الله بأي فضيلة أو نصر لأنها تراه من زاوية الحسد المذهبي المقيت، هذه الفئة هي ثمرة المرض النفسي المستحكم وثمرة التحريض الممنهج الذي مارسه الأعراب، نسأل الله السلامة)
هل انتصر المسلمون في غزوة مؤتة؟
واجه ثلاثةُ آلاف من المسلمين 200 ألف من جيش الروم والعرب الغساسنة حيث استشهد القادةُ الثلاثةُ الذين عيّنهم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تولى خالد بن الوليد وانسحب بالمسلمين بعد صمود أسطوري قذف الرعب في قلب العدو..
وكما جاء في صحيح البخاري:
قال النبي يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي، قبل أن يأتي إلى الناس الخبرُ من ساحة القتال: “أخذ الراية زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيبَ ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوفِ الله،
حتى فتح الله عليهم” فبحسب هذه الرواية ما حدث يوم مؤتة هو “فتح” رغم إن قادة المسلمين الثلاثة استشهدوا واكتفى من بقي من المسلمين بالصمود ثم الانسحاب،
وحقيقة ما جرى أن استماتة المسلمين أمام أعين الروم زرعت الرعب في قلوبهم وهزمتهم ومهدت لانتصار المسلمين بعد عام في غزوة تبوك، فيوم مؤتة قاتل زيد بن حارثة بشراسة منقطعة النظير حتى شاط في رماح العدو، ثم التقف الرايةَ جعفرُ بن أبي طالب فقاتل بضراوة حتى قُطعت يمينُهُ فالتقف الرايةَ بشمالِهِ ولم يزل بها حتى قُطعتْ شمالُهُ فاحتضنها بعضديه فلم يزل رافعاً لها حتى خرَّ شهيداً..
روى البخاري عن نافع، أن ابنَ عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعدد به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره. وفي رواية أخرى قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية. وفي رواية العمري عن نافع زيادة فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.
بعد عام زحف المسلمون إلى تبوك بجيش كبير بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحتاجوا إلى القتال فقد تبدد جيش الروم خوفاً من هيبة المسلمين وتسبب ذلك الانتصار بتغيرات سياسية وتاريخية شاملة.