حين يغيب التخطيط: مأساة الفرص الضائعة بين أبناء المظلومية العراقية..!
د. عامر الطائي ||
في عراقنا الذي عاش لقرون يحمل جراحه كلوحة ملطخة بدماء الشهداء وأنات السجناء، كان لزامًا على الحركات الإسلامية أن تكون الصوت الذي يعيد بناء النفوس المكسورة والآمال المهدورة. لكن أين هي اليوم من ذاك الجمهور الذي قدم أغلى ما يملك؟ أين خططها لاستثمار إرث الشهداء وذريتهم؟
أليست المظلومية التي عاشها هؤلاء على يد البعث المجرم رأس مال إنساني يمكن أن يُبعث فيه الأمل، ويُستثمر لإحياء الوطن وأفكاره؟
لقد كانت معاناة السجناء السياسيين والمعارضين الإسلاميين في زمن البعث أشبه بسيمفونية حزينة، تروي ملاحم الكرامة والانتماء، ولكن الحركات التي تبنّت قضاياهم تقف اليوم أمام مرآة الزمن، تتساءل: أين ذهبت تلك الطاقات؟ وكيف غاب عنها التفكير الاستراتيجي لاستيعاب هؤلاء وأبنائهم ودمجهم في مشروع مستقبلي يعيد للوطن قوته، ولهم مكانتهم؟
نحن نتحدث عن جيلٍ عاش الظلم، ونقل تجربته بدموعه ودمائه لأبنائه، جيلٍ يحمل في ذاكرته تاريخًا من القهر يمكن أن يتحول إلى طاقة بناء لو وُجد التخطيط الصحيح. ولكن، يا للعجب، بدلاً من أن تكون هذه الحركات منارات فكرية وسياسية، تحولت إلى كيانات تقف على الأطلال، تتحدث عن الماضي دون أن تبني عليه مستقبلًا.
أليس من واجب هذه الحركات أن تُحرك ذاك الشعور المدفون في نفوس أبناء الشهداء والسجناء السياسيين، وأن تستثمر ذاكرتهم الجمعية في مشروع وطني جامع؟ أليس من حقهم أن يُخاطبوا بنداء يحمل في طياته دفء الانتماء، وقوة الإيمان بأن تضحيات آبائهم لم تذهب هباءً؟
إن الحركات التي تفشل في استيعاب جمهورها، وتحويل آلامه إلى آمال، إنما تضع نفسها في دائرة النسيان. فالعراق الذي خرج من تحت أنقاض البعث لا يحتاج فقط إلى استذكار الماضي، بل إلى بناءٍ على أساسه، وتخطيط يُحرك النفوس، ويزرع في الأجيال القادمة الإيمان بأن التغيير ممكن.
ولكن حين يغيب التفكير المنطقي والتخطيط المدروس، يصبح المستقبل عبئًا بدل أن يكون أملًا. أبناء المظلومية العراقية ليسوا أرقامًا تُذكر في الخطب، بل هم مشروع إنساني وفكري يحتاج إلى عقول تؤمن بهم، وتُحرك فيهم الحماسة نحو بناء وطنٍ يسع الجميع، وطن لا ينحني أمام أي ظلمٍ جديد.
أمام هذا المشهد، تتجلى الحقيقة المريرة: الحركات الإسلامية التي كانت في يومٍ ما رمزًا للمعارضة وقوة المظلومين، تحتاج اليوم إلى ثورة في فكرها قبل أن تدعو إلى ثورة في المجتمع. ثورة تعيد الاعتبار لمن قدموا الدماء والأرواح، وتجعل منهم جزءًا لا يتجزأ من مشروع المستقبل.
العراق… هل ستشهد يومًا تُبعث فيه الطاقات المهدورة من جديد، أم أن الفرص الضائعة ستظل تلاحقنا كظلٍ ثقيل يرفض أن ينزاح؟