درس في مهارات الكلام..!
قاسم العجرش ||
الكلام.. التحدث
هو عملية تفاعلية لبناء معنى يتضمن إنتاج واستقبال ومعالجة المعلومات، يعتمد شكلها ومعناها على السياق الذي يحدث فيه، بما في ذلك المشاركين أنفسهم، وتجاربهم الجماعية، والبيئة المادية، وأغراض التحدث، وغالبا ما تكون عفوية. ومع ذلك فإن الكلام ليس دائما غير متوقع، إذ يمكن تحديد ورسم وظائف اللغة (أو الأنماط) التي تميل إلى الظهور في بعض مواقف الخطاب (على سبيل المثال ، رفض دعوة أو طلب إجازة من العمل)، يقوم المتحدث الجيد بتوليف مجموعة من المهارات والمعرفة للنجاح في التأثير على الناس من خلال الكلام المعطى.
مفهوم مهارة الكلام
تعد مهارة الكلام المهارة الأساسية بعد مهارة الاستماع، وتشتمل مهارة الكلام على المحادثة والتعبير الشفهي، ويعد الكلام مهارة إنتاجية تتطلب من المعلم القدرة على استخدام الأصوات بدقة والتمكن من الصيغ النحوية ونظام وترتيب الجمل الكلمات حتى تساعد على التعبير عما يريده المتكلم في مرادف الحديث أي أن الكلام عبارة عن عملية ذكية تتضمن دافعا للمتكلم ثم مضمونا للحديث كما أن الكلام تعتبر عملية انفعالية واجتماعية، ومعنى هذا أن الكلام هو عملية تبدأ وتنتهي بإتمام عملية اتصال صوتية مع متحدث من بناء اللغة في موقف اجتماعي.
مقوّمات مهارة الكلام
اللغة في الأصل أصوات يصدرها الإنسان بواسطة جهاز النطق ليعبِّر بها عن مختلف أغراضه وقضاياه في الحياة. وتلك الأصوات هي الكلام. وقد عرف الإنسان الكلام قبل أن يتعلم الكتابة بزمن طويل. والكتابة ليست إلا محاولة ترميز للكلام وضعها الإنسان لحاجته إليها. لذلك فالكلام أو التحدث مهارةٌ أساسية ومهمة، وتسبق مهارة الكتابة التي تُعد هي الأخرى مهارة إنتاجية تعبيرية.
ومهارة الكلام هي قدرة الشخص على التواصل اللغوي/الشفهي بالآخرين بهدف التحاور ونقل الأفكار والمشاعر والأحاسيس والمعارف، وذلك بشكل تفاعلي مباشر في المحادثات والحوارات والنقاشات والمحاضرات والاجتماعات التي تجري في الحياة اليومية والعملية والعلمية، أو بشكل غير مباشر في التلفون ووسائل الاتصال والإعلام المسموعة.
ومن المؤكد أن التواصل الكلامي ليس محصورا فيما تنطقه اللسان من ألفاظ، فالعناصر الجسدية والسياقية غير اللفظية، كمظهر المتحدث وحركات جسده ونظرات عينيه وما يحيط به، وكذلك طبقات الصوت، تقوم فيه بدور كبير وتؤثر في تقبل المستمع للرسالة واقتناعه بها. وتتضمن عملية النطق اللغوي الفعّال نوعية الصوت وحجمه وطبقته ومعدل سرعته والتوقفات، بينما تتضمن عناصر التواصل الجسدي: المظهر، والوقوف، وتعابير الوجه، والاتصال البصري، والحركة، والإيماءات.
ومهارة الكلام مرتبطة بمهارة الاستماع؛ فهي تكتسب بتقليد الأصوات التي نسمعها صغارا وكبارا. والممارسة الفعلية هي ما ينبغي أن نعمد إليه كي نساعد الطفل على تنمية مهارة التحدث أو الكلام. ولارتباط مهارة الكلام بالعفوية والتقليد لا يتم عادة الاهتمام بها مقارنة بالمهارة اللغوية الانتاجية الكتابية، ويندر التركيز عليها من قبل المدربين والمعلمين، وعادة ما يتم الربط بين تعليم التعبير ومهارة الكتابة، ونادرا ما يطلب من التلميذ أو الطالب أن ينتجا تعبيرا كلاميا. وفي كتب المهارات اللغوية يتم التركيز على فن الإلقاء والإقناع والخطابة والتقديم، وكأنّ كل من أراد أن يتقن فن التحدث يريد أن يصبح خطيبا أو مذيعا.
ومع ذلك، لصقل مهارة الكلام وتنميتها ينبغي تعليمها من خلال التدرب في كافة المراحل الدراسية؛ فمهارة الكلام مثل أي مهارة أخرى يمكن صقلها لدى الصغار والكبار الذين يودون الكلام بطلاقة ووضوح ونقاء.
ولصقل مهارة التحدث علينا الاهتمام كثيرا بجهازنا التنفسي الذي بواسطته نستطيع أن نتحكم بنغمة الصوت وارتفاعه وانخفاضه حسب الموقف. فعندما نكون في صحة جيدة عادة ما يصبح كلامنا خالياً من أخطاء النطق واللفظ غير السليم، ونتمكن من التحدث بصوت معتدل يضمن إيصال رسالتنا بوضوح. ولا شك أن المرض والتعب يؤثران في الجهاز التنفسي ويؤديان إلى بروز بعض التشويش والحذف، والإضافة، والإبدال، والقلب عند نطق بعض الكلمات.
ولتفادي تلك الأخطاء علينا أخذ فترات صمت أثناء التحدث، واستخدام المفردات والمصطلحات البسيطة والمألوفة لدى المستمع، وكذلك الجمل القصيرة السلسة، وعلينا تجنب (الشطح) والاستطراد والإفراط في التفصيل والربط الواضح والمتواصل في الأفكار، وعدم المبالغة في الاستعانة بالأوراق المكتوبة أو المذكرات التي تصرفنا عن المستمع والمباشرة والتلقائية، وكذلك الحركات العصبية، وتجنب التراخي والتثاؤب، وأيضاً الحركات الجسمية التي لا ضرورة لها والحركات الاستعراضية المنفرة.
وبما أن التحدث يُعد في أحد أبعاده نشاطا فكريا يعكس مستوى ثقافة المتكلم ومدى عمقه الفكري ونضجه العقلي علينا الاهتمام بتنمية ذخيرتنا الفكرية واللغوية المعجمية التي تساعدنا على العرض والشرح وتنسيق الحديث بطريقة تلقائية، ومن المعلوم أن مفردات الكلام تختلف أحيانا عن مفردات الكتابة والقراءة، فمفردات الكلام هي مجموعة الكلمات التي تستخدمها في المحادثة اليومية، وهي أقل بكثير من مفردات القراءة. ومع ذلك أعتقد أن علينا السعي إلى التقريب بين ما تنطقه لساننا وما يكتبه قلمنا لكي نتجنب الكلمات العامية في الكلام واستخدام المفردات المتفاصحة في الكتابة. كما أن ذلك يشجع الطلبة على التعبير عن أنفسهم شفهيا وكتابيا.
هناك عدّة شروط ومقومات يجب أن تتوفّر في الشخص المُتكلِّم حتى تكتمل لديه مهارة الكلام ومنها:
الاعتدال في درجة الصوت:
يترك مستوى الصوت أول انطباع لدى المستمع تجاه المتحدث، وهو ما يسمى في علم النفس “بتكنيك الحديث”، فإن كان منخفضاً إلى درجة استماع المخاطب دل ذلك على ضعف ثقة المتحدث بنفسه، وقلة السيطرة، وضعف اليقين، مما يدفع المخاطب إلى الضجر، وانعدام الرغبة في المتابعة. استخدام الكلمات الواضحه : ينبغي استخدام الكلمات الواضحة، والعبارات الفصيحة، والألفاظ المستحسنة التي يفهمها المخاطب، لأن ذلك يدل على البراعة في الأداء ويعبر عن الثقة في النفس، ويحفز المستمع على المتابعة و الإصغاء، أما استخدام الكلمات الضعيفة والألفاظ الهزيلة والعبارات الغامضة، فإنها تدل على ضحوله الثقافة وقلة المعرفة والدراية بموضوع الحديث، كما تعكس مشاعر الخمول والكسل والتوتر والانفعال ومن ثم عدم الرغبة في المتابعة.
التواضع:
حث الإسلام على التواضع في الحديث ولين الكلام، ودعي إلى استخدام الكلمات المألوفة والعبارات الدارجة المفهومة، ونهى عن التقعر والتشدق في الكلام باستخدام الكلمات الغريبة والعبارات المعقدة، وقد حذر كل الحذر من هذه الصفة الذميمة التي لا تؤدى إلى بغض الناس فحسب، بل بغض الله عز وجل أولا.
ترك ما لا يعنيه:
ينبغي للمتحدث ألا يتحدث في أمور الناس الخاصة، التي لا تعنيه، بحيث لا يضره السكوت عنها ولا ينفعه الكلام فيها. التأكد من صحة الكلام وعدم ترويج الشائعات: ينبغي على المتحدث أن يراعي صحة ما يقوله، فيتثبت من كلامه ويرد الأمور إلى مصادرها الصحيحة، فلا يتلفظ إلا بما هو ثابت عنده، لان الكلمة ربما تخرج من لسانه فلا يدرى بها، فيأخذها غيره فيبنى عليها أموراً لاحد لخطورتها، فترويج الإشاعات يؤدى غالباً إلى حدوث النكبات والأزمات التي تلحق بالأفراد والجماعات
مهارات التحدث
• الإيمان بأن كل إنسان يعبر عن نفسه، ويدافع عن قناعاته وآرائه دون مساس المبادئ الكبرى ،وإتاحة الفرصة لكل فرد كي يعبر عن رأيه ومزاجه.
• تحدث أقل واستمع أكثر وأصغ باهتمام
• لا تستخدم الجدل عند النقاش
• -لا تدعي بأنك تمتلك الحقيقة المطلقة
• استخدم العبارات اللبقة
• أفسح المجال للآخرين كي يتبنوا أفكارك الصحيحة
• اعترف بأخطائك ولاتلجأ إلى التبرير
• معرفة مستوى الجمهور المصغي لاستخدام الأسلوب الذي يناسبهم.
• تحديد الهدف من الموضوع
• جمع المعلومات وطرحها .
• تقديم الحديث بشكل مباشر.
لاكتساب مهارة التحدث عليك باتباع الخطوات التالية :
1. الصوت : على المتحدث أن يكيف نغمة صوته وارتفاعه وانخفاضه حسب الموقف وأن يجعله واضحا رنانا بعض الشيء .
2. درجة السرعة : على المتحدث مراعاة السرعة في الحديث ، فلا يبطيء ولا يسرع ولا يجعل كل كلامه على وتيرة واحدة .
3. فترات الصمت أثناء التحدث : هذه الفترات مفيدة لأنها تسمح للمستمع لاستيعاب ما قيل خصوصا عند وجود كثافة في الأفكار .
4. استخدام المصطلحات المألوفة لدى المستمع.
5. البساطة : اي استخدام كلمات يمكن للشخص الاخر فهمها بسهولة , وان تعبر عما تريد باختصار , ولكن بصورة كاملة (خير الكلام ماقل ودل)
6. المهارة في استخدام المفردات اللغوية .
7. سلاسة الكلام واستخدام الجمل القصيرة : يجب أن تكون اللغة المستعملة سهلة ومفهومة ومناسبة للمستمع . فالعبارة القصيرة تصيب الهدف بفعالية، بينما العبارة الطويلة تشتت تفكير المستمع .
8. الترابط في الحديث : إن الترابط الواضح والمتواصل في الأفكار يشد المستمع الى متابعة الإصغاء .
9. ألفظ الكلمات جيدا وبوضوح حتى يفهمك الجميع .
10. اضغط ( التشديد) على بعض الكلمات المهمة .
11. تجنب الاستطراد والافراط في التفصيل : كي لا تعطي الفرصة للأحاديث الجانبية ومنعا للملل .
12. تجنب الإفراط في الاستعانة بالأوراق المكتوبة: أو المذكرات التي تصرفك عن مستمعك أو تشغلك عنه، وكذلك الحركات العصبية، وتجنب التراخي والتثاؤب. وأيضاً الحركات الجسمية التي لا ضرورة لها والحركات الاستعراضية المنفرة.
13. تدعيم الكلام بالبراهين والحجج : كالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال الشعبية والحكم لما لها من صفة المصداقية لدى المستمعين .
14. التكرار : يساهم تكرار الكلام إذا أحسن استخدامه بنبرة مختلفة في لفت انتباه المستمع وفهمه للكلام الذي يسمعه .
15. التلخيص : في نهاية التحدث لا بد من إيجاز ما قلته بحيث تكرر الأفكار الرئيسية باختصار شديد .أي احرص على الخاتمة الجيدة التي تبلور الموضوع.
ويمكن اتباع الخطوات التالية لتنمية مهارة الاستماع :
1. الابتعاد عن المقاطعة : قد يقاطع المستمع الحديث إذا اعتبر أنّ الرسالة هجومية او ليسارع في إعطاء وجهة نظره .
2. الحذر من سرعة الجواب : الرد السريع يمنع المتكلم من إتمام كلامه وبالتالي يمنع المستمع من فهم الأفكار ، أو فهمها بطريقة معكوسة.
3. عدم مقاطعة فترات الصمت : فترات الصمت لا تعني دائما انّ المتكلم قد أنهى كلامه.
4. عدم شرود الذهن : لاتدع عينيك تبتعد كثيراً عن المتحدث ( ابتعاد العين عن المتحدث قد تلهيك وتشتت فكرك وتركيزك )
5. فهم وتحليل افكار المتكلم : حاول أن تفهم وجهة نظر الشخص المتكلم ، فالاستماع يكون الى الأفكار وليس فقط للكلمات . أي ركّز على مايقال وليس على القائل وتصرفاته .
6. تقبل آراء الآخرين واحترامها بلا انفعال او عصبية : أي التمتع بالهدوء والاتزان أثناء الاستماع وردة الفعل تكون على الأفكار وليس غلى الأشخاص .
7. اظهار التغذية الراجعة :بإبداء الأثر الإيجابي خلال الاستماع ،كالابتسام وهز الرأس وطرح الاسئلة المفيدة. بين له أنك تستمع لحديثه بأن تقول: نعم… صحيح أو تهمهم، أو تومئ برأسك، المهم بين له بالحركات والكلمات أنك تستمع له .
8. التلخيص: بعد أن ينتهي المتكلم من حديثه لخص كلامه بقولك: أنت تقصد كذا وكذا …. صحيح؟ فإن أجاب بنعم فتحدث أنت، وإن أجاب بلا فاسأله أن يوضح أكثر، وهذا خير من أن تستعجل الرد فيحدث سوء تفاهم .
ومن أبرز أهداف التدريب على مهارة الكلام: القدرة في السيطرة على اللغة بوصفها وسيلة للتواصل والتفكير والتعبير، ولأن سلامة اللغة أهم ما ينبغي مراعاته أثناء الكلام يركز المدربون على تحقيق التلقائية والعفوية والطلاقة في الكلام والاسترسال فيه. وعاد ما يهتم المدربون على تنمية قدرة المتعلم على تشكيل جمل مفيدة، وتدريبه على الارتجال وتعزيز مشاعر الثقة بالنفس لديه من خلال إزالة الخوف والخجل وما ينتابه من تردد، وبالخبرات التي تستدعيها متطلبات الحياة كالمواجهة المباشرة في الحوارات والمناقشات العامة والاجتماعات. وعلينا كذلك تشجيع المتدربين على التعبير الشفهي الحر عن خبراتهم ونظرتهم الخاصة في مختلف أمور الحياة، تنمية قدرتهم على السرد أو التلخيص الشفهي للأحداث والمعلومات. باختصار لصقل مهارة الكلام علينا أن نغرس في المتدرب الثقة بالنفس وزيادة القدرة على اختيار الأفكار وتنظيمها وزيادة القدرة على استخدام الكلمات المعبرة واستخدام الصوت المعبر والنطق المتميز واستخدام الحركات الجسمية والوقفة المناسبة والقدرة على تكييف الكلام وتنظيمه وتوظيفه بحسب الموقف أو المقام. فلكل مقام مقال.
وأخيرا نؤكد أن ترتيل القرآن والقراءة الجهرية، بوصفهما إنتاجا شفهيا، يعدان من أهم الروافد الأساسية المساعدة على صقل مهارة الكلام. لهذا علينا الحرص على تلاوة القرآن وقراءة الشعر والنصوص الأدبية الجميلة بصوت مرتفع وانتظام لكي ننمي مهارتنا الكلامية.