هل صدفة قصف إسرائيل دمشق بعد سقوط الاسد؟!
أ. د. جاسم يونس الحريري ||
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية
شنت القوات الجوية الإسرائيلية في الساعات القليلة الماضية غارات استهدفت نحو 100 موقع في سوريا، تضمنت مواقع إستراتيجية، وأنظمة صواريخ متقدمة، وأنظمة دفاع جوي ومستودعات أسلحة، ومنشآت لتصنيع الذخائر، إضافة إلى مخازن الأسلحة الكيميائية ومصانع ومعاهد بحثية عسكرية.
ووفقا لوسائل إعلام سورية، فقد تركزت أعنف الغارات على مستودعات الذخيرة ب”ريف درعا” في جنوب سوريا، إضافة إلى قصف مواقع “جديا” شمالي مدينة إنخل و”تل الحمد” غربي مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا، و”تل الشعار” في محافظة القنيطرة، كما سمع دوي انفجارات قوية ناجمة عن ضربات جوية على محيط “مطار المزة العسكري” في دمشق.
وتقول صحيفة “إسرائيل اليوم” “إن تل أبيب تعمل على تدمير الأسلحة الإستراتيجية الثقيلة في عموم سوريا، لمنع وقوع مخزون الأسلحة التابع للجيش السوري في أيدي المعارضة المسلحة”، “خوفا من استخدامها ضدها في المستقبل”. ووصفت قراءات إسرائيلية ما يحصل في سوريا وسيطرة من وصفتهم بـ”تحالف المتمردين الإسلاميين” بـ”الحدث التاريخي”، الذي سيكون له تداعيات على الشرق الأوسط وسيسهم في تغيير قواعد اللعبة بالإقليم، وهو ما تخشاه “إسرائيل” التي لا تستبعد انتقال ما حصل في سوريا إلى بعض الدول العربية.
وفي ظل الهواجس الإسرائيلية، عزز جيش الاحتلال قواته في الجولان، بينما قام رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، برفقة وزير الدفاع “يسرائيل كاتس” بجولة عند خط وقف إطلاق النار، حيث أشرف على توغل قواته في المنطقة العازلة والسيطرة عليها، واحتلال “جبل الشيخ “السوري بعد انسحاب قوات نظام الأسد، وذلك “لأغراض دفاعية”، حسب زعم نتنياهو.
وتعليقا على إقدام قوات وحدة الكوماندوز “شلداغ” التابعة للجيش الإسرائيلي على احتلال قمة جبل الشيخ السوري، بذريعة اقتراب مسلحين من الحدود، يعتقد اللواء المتقاعد “عميرام ليفين” الاسرائيلي، أن هذه الخطوة تعكس الهواجس الإسرائيلية،
ويقول “في ظل ما تشهده سوريا والفوضى بالشرق الأوسط، على إسرائيل العمل بهدوء وعدم إثارة الضجة حول خطة غزو قمة جبل الشيخ”. واستعرض “ليفين” الذي شغل بالسابق منصب “قائد القيادة الشمالية” و”نائب رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي”، في حديثه لصحيفة “معاريف”، الاسرائيلية “أهمية الاستيلاء والتموضع الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ السوري، الذي يعتبر موقعا إستراتيجيا يطل على هضبة الجولان ولبنان، وكذلك على العاصمة دمشق”.
وحذر ليفين “من مغبة أن تؤدي خطة الاستيلاء على الجبل من تعقيد الأوضاع عند خط وقف إطلاق النار”، قائلا إن “على إسرائيل التيقن من أن عملياتها العسكرية بالجولان لن تسهم بتعقيد الوضع وعدم التورط بسوريا، فالجيش الإسرائيلي في وضع حساس، فالحرب في غزة مستمرة، واتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان هش،وهناك أيضا جبهة مشتعلة بالضفة”.
والتحذيرات ذاتها استحوذت على “تقدير موقف”الذي صدر عن معهد “مشغاف” للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية”، الذي أعده “يوسي منشروف”، الباحث بالتنظيمات المسلحة، حيث أوصى المؤسسة الإسرائيلية “أن تبقى متيقنة وحذرة حيال التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وسط الترجيحات أن ما حدث في سوريا يمكن أن يشكل تهديدا لإسرائيل”.
وتحت عنوان “الزلزال في سوريا لا يزال مستمرا ولا بد من التعلم من أخطاء الماضي”، كتب ”رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية” في “مركز ديان ”ب” جامعة تل أبيب”،”
مايكل ميلشتاين”، مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”،الاسرائيلية استعرض فيه هواجس “إسرائيل” في أعقاب نجاح فصائل المقاومة المسلحة بسوريا في الإطاحة بنظام الأسد وتصدر التيار الإسلامي مشهد الثورة.
وبحسب تقديرات ميلشتاين، ف”إن خصائص الاضطرابات التي تشهدها سوريا وعواقبها وتداعياتها تعد “مختلفة” عن الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة” والفشل الاستخباراتي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث لا تزال تعكس تداعيات مبكرة لم يتم حلها أو دراستها بشكل كاف من قبل “إسرائيل”، ومن الضروري تحليلها بشكل متعمق”.
ويقول الباحث الإسرائيلي إن “تفاجىء إسرائيل بما قامت به فصائل المعارضة من استكمال الثورة وإسقاط النظام يثير التساؤل حول مدى تحليل إسرائيل واستيعاب العبر من أحداث 7 أكتوبر، ويبدو أنه في ظل الدراما السورية يمكن القول إن إسرائيل لم تستخلص العبر، كما أنه لا يمكن ضمان عدم تكرار المفاجآت”.
ويضيف أن “التوجه سريعا إلى تحليل السيناريوهات المحتملة، وتقديم توصيات بشأن السياسة التي يتعين على إسرائيل تعزيزها، هو بحد ذاته مفاجأة لتل أبيب، ويعكس شعورا بعدم الارتياح، سواء في قراءة الواقع أو في تقييم المستقبل مع الجيران الجدد”.
ويعتقد أنه لا يوجد شيء في سوريا ما بعد الأسد يمكن أن يبعث على التفاؤل بخصوص الشرق الأوسط الجديد الذي يروج له نتنياهو، مشيرا إلى أن على “إسرائيل” تجنب النشوة المشبعة بالشعارات، والتباهي بالإنجازات التي حققتها الحملة العسكرية على الجبهة الشمالية وفي لبنان”.
وقال إن “على إسرائيل توخي الحذر، فالثوار السوريون مجموعات متعددة ومتناقضة بالمصالح والأفكار، وبعضها إسلامية جهادية،وعليه ليس من المبالغة الافتراض أن سوريا كدولة ستتفكك إلى كيانات منفصلة، أو بشكل أكثر دقة، سيترسخ الوضع المتفكك الذي ميزها منذ أكثر من عقد من الزمن”.
وهناك وجهة نظر اخرى من محرر الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” “أمير بن دافيد”، فإن سقوط نظام الأسد سيذكر من منظور تاريخي، على أنه “حلقة أخرى في سلسلة الأحداث التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023″، معتبرا “أن معركة طوفان الأقصى لم تفاجئ إسرائيل فحسب، بل فاجأت المنطقة والعالم أيضا وكذلك الثوار السوريون”.
وأوضح بن دافيد “أن أحداث 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية على غزة لم تتسبب بتقويض حكم حماس بالقطاع فحسب، بل تسببت أيضا بضربة قوية لحزب الله في لبنان وفي إضعاف إيران بالإقليم، والآن أيضا إلى انهيار نظام الأسد”، قائلا إننا “نقف على حافة شرق أوسط جديد، ولكن من السابق لأوانه تقييم ما إذا كانت هذه أنباء طيبة لإسرائيل”.
ويرى “أن على إسرائيل والعالم بأسره أن ينظر للاسم الجديد قائد تنظيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع (الملقب بأبو محمد الجولاني) على أنه “الرجل القوي الجديد في سوريا”، حيث تعهد بالحفاظ على سوريا موحدة وإقامة “دولة حرة وعادلة وديمقراطية”، قائلا “يبدو الأمر رائعًا، ولكن من الصعب جدا تصديق أن هذا ما سيحدث، وهذا يقلق إسرائيل”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، يوم الأحد الموافق 8/12/2024، إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد “يخلق فرصا جديدة ومهمة جدا لإسرائيل لكن الأمر ليس خاليا من المخاطر”.وأشار نتنياهو -خلال زيارة لموقع قرب الحدود السورية- أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع القيادية المجاورة لها، قائلا “لن نسمح لأي قوة معادية بترسيخ نفسها على حدودنا”.
وأضاف أن “اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 انهارت وتخلى الجنود السوريون عن مواقعهم”، مؤكدا “أن إسرائيل ستراقب التطورات في سوريا عن كثب وستفعل ما يلزم لحماية حدودها وضمان أمنها”، وفق تعبيره.وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”“أن قرارا اتخذ في وقت سابق اليوم بنشر قوات للجيش في منطقة عازلة تخضع لرقابة الأمم المتحدة على الحدود مع سوريا، في إطار خطة لضمان حماية كل الإسرائيليين الذين يقطنون هضبة الجولان”.
وأضاف -خلال خطاب بثه التلفزيون من على الحدود مع سوريا بعد سقوط نظام الأسد- أن “إسرائيل عازمة على توفير الأمن في هضبة الجولان”.وذكرت “إذاعة الجيش الإسرائيلي” “أن مجلس الوزراء الإسرائيلي قرر احتلال منطقة “جبل الشيخ” السورية وإنشاء منطقة عازلة فيها، عقب انسحاب جنود الجيش السوري”.
كما قالت إن “إسرائيل تستعد لهجمات متواصلة في سوريا لأيام عدة لمنع وصول أسلحة إستراتيجية للمتمردين”.من ناحية أخرى، وصف نتنياهو سقوط نظام بشار الأسد بأنه “يوم تاريخي ومشهود في تاريخ الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن هذا النظام تهاوى “نتيجة ضرباتنا لإيران وحزب الله داعميه الأساسيين”.
واعتبر أن نظام الأسد كان “الحلقة المركزية في محور الشر الإيراني وقد سقط”.
وكانت مصادر إعلامية إسرائيلية قد أوردت خلال الأيام القليلة الماضية “أن تل أبيب تستعد لاحتمال سقوط نظام الأسد”، مشيرة إلى أنه، في تطور نادر للغاية، انعقد المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) 3 مرات خلال 3 أيام. كما كشف المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية أنه تم نقل جزء من القوات الإسرائيلية إلى منطقة الجولان عقب الأحداث المستجدة في سوريا.
وذكر مراسل موقع “والا” الاخباري “أمير بخبوط” “أن اللواء 210 يعزز من قواته في الجبهة الشمالية على حدود سوريا ومواقعه بتشكيلات قتالية من الدبابات والمدرعات والمدفعية، ويحضر لكل السيناريوهات المحتملة في سوريا”. ووفقا لبخبوط، ف”إن الجيش يتحضر برا وبحرا وجوا واستخباراتيا بجمع معلومات واسعة، حيث يسود القلق تل أبيب من انتقال سيطرة المعارضة للجنوب السوري ومعها جهات يمكن أن تكون معادية “لإسرائيل”.
يشار إلى أن المعارضة السورية المسلحة أعلنت الأحد الموافق 8/12/2024سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ودخول قواتها إلى العاصمة دمشق تتويجا لسلسلة من الانتصارات الخاطفة التي حققتها في الأيام الماضية.
للاتصال بالكاتب:[email protected]