عقدة الرئيس..!
أمين السكافي ـ لبنان ||
للبنانيين عاداتهم الغريبة التي لن يتنازلوا عنها فهذه التقاليد ، ورغم قدمها وقد عفى عليها الزمن لا زالت تشعر اللبنانيين بأهميتهم، فهم لا زالوا يظنون أنهم محور الكون وأن أية مشكلة لبنانية داخلية قد تؤثر على مسار الأحداث في العالم،
ومن هذه المشاكل إنتخاب رئيس للجمهورية وهي ليست المرة الأولى التي يصاب فيها كرسي الرئاسة بالفراغ ، فالمرة الأولى كانت عام ٨٨ حين لم ينتخب رئيس للجمهورية وكلف أمين الجميل العماد عون بإنشاء حكومة عسكرية ، مهمتها إدارة الجزء الذي تسيطر عليه الأحزاب المسيحية ولكنها ولدت ميته ،
إذا إستقال منها الضباط المسلمين وأصبح لكل منطقة حكومة ،ففي المنطقة الغربية كانت حكومة الرئيس الحص المودلجة بإدارة المناطق التابعة لها ،وبقينا على هذه الحال حتى تم إقتحام المناطق المسيحية من قبل القوات السورية ،وإعادة اللحمة للبلد بعد خمسة عشرة عاما من الصراع والحرب الأهلية .
ليتم بعدها تعيين النائب رينيه معوض عن طريق الإنتخاب ولكن لأسباب مجهولة ، تم إغتياله وعلى ذمة الرواة أنه إختلف مع السوريين عل حل ملف العماد عون والنظرة إلى تفسير الطائف ، ليأتي بعدها إنتخاب الرئيس الهراوي برضى سوري إنعكس في صندوقة الإنتخاب ، ليحكم ستة سنوات وليمدد له بعدها بثلاث سنوات بعد حديث مطول للأسد في جريدة السفير، ثمن فيها الأسد مواقف وطريقة إدارة الهراوي للبلاد ، قبل إنتهاء السنوات الثلاث الممددة للهراوي كان إسم البديل الرئاسي جاهزا، وهو قائد الجيش العماد إميل لحود ليتم إنتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية بالرضى والمباركة السورية .
الهراوي لم يكن من قماشة الرؤوساء السياسيين بل كان أقرب للممثلين أو المهرجين ، وكان مطيعا ومطواعا أما لحود الذي مدد له كسلفه بثلاث سنوات فهو لم يكن يفقه شيئا في السياسة، كان عسكريا وصاحب مواقف مبدئية رغم الإعتراض الذي حصل في البلاد على التمديد ، ولكن هكذا أرادت سوريا بشار الأسد وهو ما كان ولكن هذا تسبب بإصدار القرار ١٥٥٩ عن الأمم المتحدة برعاية أميركية فرنسية ،
هذا القرار الذي كان أحد بنوده إنسحاب الجيش السوري من لبنان ، وهو ما سارع الأسد لفعله بعد الزلزال الذي أصاب لبنان والمنطقة بإغتيال الرئيس الحريري ، الذي كانت الكيمياء مقطوعة بينه وبين الرئيسين الأسد ولحود ورجل سوريا الأول في لبنان وقتها جميل السيد .
لتبدأ بعد الخروج السوري السنين العجاف التي لن يستطيع اللبنانيون فيها ، لا التوافق على رئيس أو إنتخاب رئيس إلإ بعد تدخلات عربية ودولية ، كما حصل مع العماد ميشال سليمان الذي أنتخب بالدوحة بعد شغور في موقع الرئاسة دام لحوالي السنة ،ولم يقتصر الفراغ الرئاسي على موقع الرئاسة الأولى بل تعداه ليصل إلى الرئاسة الثالثة،
حيث أصبح إختيار رئيس للحكومة مسألة صعبة والأصعب من التكليف هو التأليف الذي بات أزمة تستدعي تدخلات خارجية أو إجتراح حلول لها، بعد إنتهاء ولاية سليمان دخلنا في فراغ رئاسي جديد أستمر ما يقرب من السنتين ، حتى تم إنتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية لتنتهي ولايته عام ٢٠٢٢ ولندخل مجددا إلى الشغور الرئاسي حتى لحظة كتابة هذه الكلمات .
بالنسبة للحكومات فأغلبها حكومات تصريف أعمال أما بالنسبة لموقع الرئاسة الثانية فلم يصبه الشغور أبدا ، وبقي الرئيس بري رئيسا للمجلس طيلة السنوات ٣٢ سنة الماضية ، لا أعلم حقا ماذا سيقدم أو يؤخر رئيس لبلد مثل لبنان وخاصة أن أغلب صلاحياته قد أقتطعت منه، وأحيلت إلى مجلس الوزراء مجتمعا وأصبح مثله مثل ملكة بريطانيا أو ملكها أي لا يحكم بشكل فعلي ،
أمر آخر أثبت اللبنانيين عجزهم وقصورهم عن إنتاج دورة حياة سياسية بأنفسهم وأنهم بحاجة دوما للخارج ،ليرشدهم أو يأمرهم أو يجمعهم وهذا يؤكد كلامنا السابق بعدم أهلية لبنان للوجود ،لكثرة طوائفه أو مذاهبه أو أحزابه ونقولها مع كل الأسف على هذا البلد الجميل ، بطقسه ومناخه وبيئته وحرياته الإعلامية والسياحية وطبيعة شعبه العاشق للحياة،
أن لبنان بحاجة إلى أمر من ثلاث . أولا إما إلحاقه بدولة من دول الجوار كسوريا مثلا ،أو إعادة الإنتداب عليه من بلد قريب وصديق ،أو وهو الأهم تطبيق الطائف وخاصة إلغاء الطائفية السياسية ،والإنتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة وهذا ما سيدمر المنطق الطائفي والمناطقي والشعارات المذهبية والحزبية لتذوب كلها في كينونة المواطنة ،
أما بقاء الحال على هذا المنوال فهو من المحال فلننظر إلى المحيط قليلا ، فلسطين المحتلة مشتعلة وخاصة ما يحصل في غزة من عدوان همجي وبربري عليها ، سوريا أسقط نظامها والبديل إلى الآن مجهول التوجهات ومن عدوه ومن صديقه ، الكيان يقصف يوميا مناطق سورية ونحن لم يمضي على خروجنا من العدوان علينا إلا بضعة أيام،
وقد دمر هذا العدوان أجزاء عزيزة من البلد المقصد أن المنطقة حولنا مشتعلة ونحن لم نستطع إلى الآن إختيار رئيس ، وننتظر الأمر من الدبلوماسي الأميركي مسعد بولس أو من الموفد الفرنسي أو القطريين أو غيرهم .
نحن شعب غريب كلنا بكل طوائفنا ومذاهبنا كلنا ندعي وصلا بليلى،(أي أننا ندعي الوطنية ) وكلنا عندما يجد الجد متمذهبون وننسى لبنانيتنا ، ونفكر بزعيم طائفتنا على أنه رئيس جمهوريتنا و على أن حزبنا هو جيشنا وهذا مقال جبران فأقرأوه جيدا في ظلام اللّيل أُناديكُم هل تسمعون؟
مات أهلي وعيونهم محدِّقةٌ في سواد السّماءْ
في ظلام اللّيل أُناديكم هل تسمعون؟
مات أهلي وغَمرَتْ تِلالَ بلادي دموعٌ ودماءْ
الوَيْل الوَيْل الوَيْل
الوَيْلُ لأُمَّةٍ كَثُرَتْ فيها طوائفها وقلَّ فيها الدّينْ
الوَيْلُ لها الوَيل الوَيلُ لها
والويلُ لأمّةٍ تلبسُ ممّا لا تنسُج وتشرب ممّا لا تعصِر
الويلُ لها الويلُ الويلُ لها
والويلُ لأمّةٍ مُقسَّمةٍ وكلٌّ ينادي أنا أمَّة
الويلُ لها الويل الوَيْلُ لها.
فلا تظنن أيها اللبناني أنك محور الكون وأنه لأجلك تسبح الكواكب في الفضاء أو أن الليل والنهار يتتابعان لأجلك فإهدأ قليلا .