التعايش المستحيل: في فهم صمود الجماعات المتشددة في سوريا..!
د. عامر الطائي ||
لعلّ من أعظم الأسئلة التي تُطرح على العقل المُتأمل اليوم هو: كيف تسنّى لجماعات متشددة، غارقة في التطرف والعنف، أن تتمكن من البقاء في سوريا، وأن تمارس نفوذًا في مجتمع متنوع طائفيًا ودينيًا وثقافيًا؟
هذا السؤال لا يتناول فقط قدرة تلك الجماعات على السيطرة العسكرية، بل يتعمق في فهم آليات التعايش أو بالأحرى، التعايش المستحيل الذي يطبع هذه السيطرة بطابعها الخاص.
لا بد من أن نستحضر بعض الحقائق أولاً؛ هذه الجماعات تتبنى رؤى دينية تكفيرية، تُقصي كل من يختلف معها. فهي ترى أن كل سنيّ لا يوافقهم في تطرفهم هو “مرتد”، وكل شيعي هو “رافضي”، وكل مسيحي أو درزي هو “كافر”.
هذه النظرة القاتمة لا تتناسب مع بنية المجتمع السوري الذي تميّز عبر التاريخ بتنوعه وتعايش مكوناته. فكيف إذن يتم هذا الصمود وسط هذا التنافر؟
الاستفادة من التناقضات واللعب على الأوتار الدولية
يمكن القول إن أحد أسرار صمود هذه الجماعات هو قدرتها على استغلال التناقضات السياسية والدولية التي تملأ المشهد السوري. لقد وجدت هذه الجماعات دعمًا خارجيًا من قوى متناقضة المصالح: الصهاينة الذين يبحثون عن تفتيت القوى المحيطة بهم، وأميركا التي تتقاطع أهدافها مع إضعاف الدولة السورية، وتركيا التي تسعى لتحقيق نفوذ إقليمي.
ورغم أن هذه القوى تحمل أجندات مختلفة، فإنها تلتقي في نقطة واحدة: إطالة أمد الصراع، وتحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة.
الاستبداد الفكري والهيمنة القسرية
أما على المستوى الداخلي، فإن هذه الجماعات تعتمد على الهيمنة القسرية والاستبداد الفكري. فحينما لا يكون هناك قبول من المجتمع، تُفرض السيطرة بالقوة، وتنشر الخوف في نفوس السكان.
هذا النمط من “التعايش القسري” لا يعني تقبلًا فكريًا أو دينيًا لهذه الجماعات، بل هو نوع من الخضوع المؤقت الذي تفرضه الظروف الصعبة على المواطنين الذين يرزحون تحت تهديد السلاح.
التلاعب بالدين لتحقيق أهداف سياسية
من أخطر ما تمارسه هذه الجماعات هو التلاعب بالدين لخدمة أهدافها السياسية. فهي تستغل المشاعر الدينية للمجتمعات التي تعاني من الجهل أو اليأس، لتُلبس مشروعها السياسي ثوبًا دينيًا. هذا التلاعب يُعطيها مظهر الشرعية في أعين بعض الفئات التي تبحث عن مخلّص أو أمل وسط الفوضى.
هل يصمد هذا النظام؟
السؤال الأهم ليس “كيف صمدت هذه الجماعات؟” بل “إلى متى ستصمد؟” فالتاريخ يعلمنا أن الأنظمة التي تقوم على العنف والتطرف لا تدوم طويلًا، لأنها تفتقر إلى أساس التعايش الحقيقي.
قد تستطيع هذه الجماعات أن تحكم بالسيف لفترة، ولكنها لن تستطيع أبدًا أن تحكم بالعقل أو أن تحظى بشرعية دائمة في مجتمع يُدرك، ولو بعد حين، أن الحياة تقوم على التفاهم لا الإقصاء، وعلى التعايش لا التكفير.
إنه صمود هشّ، سرعان ما ينهار حين يستعيد المجتمع وعيه ويُدرك أن مستقبله يكمن في وحدة أبنائه، لا في شتاتهم بين رايات التطرف.