جواهر عَلَويَّةٌ : مَنْ لَمْ يُداوِ شَهْوَتَهُ بِالتَّرْكِ لَها لَمْ يَزَلْ عَليلاً..!
✍ السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يُداوِ شَهْوَتَهُ بِالتَّرْكِ لَها لَمْ يَزَلْ عَليلاً”
معادلة أخرى ينبهنا الإمام (ع) إليها، يرشدنا فيها إلى ضرورة الإلتفات الدائم إلى عيوب أنفسنا وعدم الغفلة عنها بحال من الأحوال، وضرورة السيطرة على شهواتنا بدل أن ننساق خلفها دون تدبر في العواقب.
تعرّف الشهوة بأنها: اشْتِيَاقُ النَّفْسِ إِلَى الشَّيْءِ، وتَوَقَانُها إِلَى مستلذاته، وبكلمة أخرى: هي نزعة داخلية عادة ما تكون جموحة ذات تأثير استبدادي على الإنسان الذي يتراخى لها، تجعله يتجه نحو تحقيق ما ترغب به، وهي تختلف في مظاهرها، فقد تكون شهوة الأكل والشرب، أو شهوة الجنس، أو شهوة المال، أو شهوة المنصب، أو شهوة حب السيطرة.
وتختلف الغريزة عن الشهوة في أن الغريزة هي نزعة طبيعية تدفع الكائن الحي إلى تحقيق احتياجاته الأساسية، مثل البقاء والتكاثر، أما الشهوة فتعتبر تعبيراً عن هذه الغرائز، لكنها تمتَدُّ لتشمل رغبات مكتسبة من البيئة والتربية، فغريزة البقاء تدفع الإنسان لتناول الطعام، بينما الشهوة تحدد نوع الطعام وطريقة تناوله.
وقد جاءت كلمة “الشهوة” في القرآن الكريم في سياقات مختلفة، منها الإيجابي والسلبي، اعتمادًا على كيفية التعامل معها:
فأما الجانب الإيجابي: قال تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ” ﴿آل عمران: 14﴾.
هنا يشير القرآن إلى أن الشهوات جزء من طبيعة الإنسان وقد زُيّنت له، لكنها ليست مذمومة بحدِّ ذاتها، بل تصبح مذمومة إذا أُسِيء استخدامها.
وأما الجانب السلبي: قال تعالى: “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا” ﴿مريم: 59﴾. وقال تعالى: “وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا” ﴿النساء: 27﴾.
وقد يسأل القارئ الكريم: لماذا خلق الله الشهوات؟
والجواب: إن الله تعالى خلقها في الإنسان لحكم كثيرة:
منها: استمرار الحياة: فالشهوات هي الوسيلة التي تحقق استمرار البشرية، مثل شهوة الطعام للبقاء وشهوة الجنس للتكاثر.
ومنها: اختبار الإنسان: فالشهوات تمثل أحد محاور الابتلاء في حياة الإنسان، والسيطرة على الشهوات جزء من الاختبار الإلهي لإظهار قوة إرادة الإنسان وقدرته على الاختيار الصحيح،
قال تعالى: “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ…” ﴿الإنسان: 2﴾
ومنها: تحفيزه واستثارة طاقاته: فالشهوات والرغبات تحفِّزُ الإنسان للعمل والابتكار للحصول على ما يريد، مما يسهم في تطوره وتطوِّر الحياة الإنسانية.
ولا جدال في أن على الإنسان أن يتعامل مع شهواته بتوازن واعتدال، وأن يضبطها عند جموحها، ويتدبَّر في عواقبها،
قال تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا…” ﴿القصص:77﴾
فإذا استسلم لها دون التدبُّر في عواقبها صار عبداً لها، مِمّا يُضعِف إرادته ويجعله غير قادر على اتخاذ قرارات صحيحة.
والإفراط في الشهوات يؤدي إلى الشعور بالذنب، والقلق، والاكتئاب، والانغماس في الشهوات الجسدية يؤدي إلى مشاكل صحية كثيرة كما أثبت الطِّبُ، فضلا عن ذلك فإن الانغماس في الشهوات يجعل الإنسان غافلًا عن أهدافه الروحية والمعنوية، مما يؤدي إلى فقدانه التوازن النفسي المطلوب للنجاح الذي يريده.
فجر يوم الثلاثاء الواقع في: 14/1/2025 الساعة (05:36)