💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِه ضَلَّ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِه ضَلَّ”
العقل هو أداة الإدراك والتفكير التي أنعم الله بها على الإنسان، وميَّزه بها عن سائر المخلوقات، وهو وسيلة لفهم الحقائق واتخاذ القرارات السليمة، غير أن العقل وحده لا يكفي للوصول إلى الحقائق المطلقة، بل يحتاج إلى عوامل أخرى تعينه على الهداية،
مثل الوحي الإلهي، والتجربة، واستشارة العقول الأخرى، ولا يقتصر الأمر على الحقائق المطلقة، بل يعجز العقل عن الإحاطة بالأمور المشهودة، فغالباً ما يدرك جانباً من أمورها وتغيب عنه جوانب أخرى، وأكثر ما نرى هذا العجز في الأمور والقضايا التي تحتاج إلى اتخاذ قرارات وتوصيات في مختلف الصُّعد، فإننا نجد العقل (ونقصد به العقل الفردي) غير قادر معظم الأحيان على الإحاطة بالأمور وفهم خلفياتها وآثارها الحالية والمستقبلية.
وقد عبّر الإمام علي (ع) عن هذه الحقيقة التي لا تُنكر بقوله: “مَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِه ضَلَّ”، وهي عبارة تؤكد محدودية العقل البشري (الفردي منه خاصة) وحاجته إلى التكامل مع مصادر المعرفة الأخرى.
وقد صاغ الإمام (ع) العبارة كمعادلة تتكون من شرط وهو: “مَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِه” وجواب الشرط وهو: “ضَلَّ” وهذه الصياغة توحي بعدة معانٍ:
أولاً: حتمية النتيجة عند تحقق الشرط فالإمام (ع) لم يقل: “قد يَضلّ”، بل قال: “ضلّ”، حاسماً الأمر، مما يفيد التأكيد بأن استغناء المرء بعقله عن مشاورة الآخرين وطلب النّصح منهم يؤدي حتماً إلى الضلال والضياع والفشل، لأن عقله مهما أوتي من قدرة وقوة يبقى محدوداً وقاصراً عن إدراك كل شيء.
ثانياً: تحذير ضمني من خطر الاستغناء بالعقل، فحينما يستغني الإنسان بعقله عن عقول الآخرين وآرائهم، ويأبى أن يحاورهم ويأخذ بوجهة نظرهم إن كانت صائبة، فإنه يجعل نفسه عرضة للأخطاء، وهذا يقوده إلى الضلال والفشل
ثالثاً: التأكيد على ضرورة التكامل في مصادر المعرفة، فلا يمكن لعقل الفرد أن يكون المصدر الوحيد للحقيقة، بل يحتاج إلى أن يجمع عقول الآخرين إلى عقله، فإن: “مَنْ شاوَرَ النّاسَ شَارَكَهُم في عُقُولِهِمْ”.
لا يمكن للفرد الواحد أن يستغني بعقله عن عقول الآخرين، إذ لا يستطيع الإحاطة بكل العلوم والخبرات وحده، فمهما بلغ الإنسان من الذكاء، لا يستطيع استيعاب كل العلوم والخبرات بمفرده، فالحقائق تتعدد، والرؤى تتباين، وكل عقل يرى جزءاً من الصورة فقط، أضف إلى ذلك أن الإنسان معرّض للوقوع في الأخطاء العقلية مثل التحيَّز والتأثر العاطفي، والتسرُّع في الأحكام، والعقول الأخرى تحمل معها تجارب وخبرات متنوعة، والتعلّم منها يمنع الإنسان من تكرار أخطاء الماضي.
ناهيك عن أن العصر الحديث يمتاز بالتخصص الذي أصبح ضرورة لا تُنكَر، ولا يمكن لشخص واحد أن يكون خبيراً في كل المجالات، لذا فإن الرجوع إلى أهل الخبرة والعلم يعزز دقة القرارات وصحتها.
ومن هنا تتجلّى الحاجة إلى الاستفادة من عقول الآخرين، والوقوف على آرائهم، واستشارتهم، وبذلك يضم عقولهم إلى عقله، وخبرتهم إلى خبرته، ومعه، لا يضل ولا يقع في الخطأ.
وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم، حيث يأمر الله تعالى أكرم خلقه وخاتم رسُله (ص) باستشارة أصحابه فيقول: “…وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ” ﴿آل عمران: 159﴾
وفي آية كريمة أخرى يأمرنا الله تعالى أن نسأل أهل الذكر، وهي تعم المتخصصين في كل علم من العلوم، مِمّا يدل على أن اعتماد الشخص على عقله وحسب يؤدي به إلى الضلال والوقوع في الخطأ، قال تعالى: “…فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴿النحل: 43﴾.
فجر يوم الخميس الواقع في: 30/1/2025 الساعة (05:30)