الضغوط المتزايدة: كيف يفرض ترامب أجندته على السعودية في ولايته الثانية؟!
ضياء ابو معارج الدراجي ||
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ممارسة ضغوط متزايدة على المملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية تخدم استراتيجيته الجديدة. وكما كان الحال في ولايته الأولى، يستغل ترامب علاقاته مع الرياض لانتزاع مكاسب أمريكية، سواء في مجال الطاقة، أو الاستثمارات، أو التحالفات الإقليمية. لكن هذه المرة، يبدو أن الضغوط تتخذ منحى أكثر حدة.
أولًا: الضغط لزيادة الاستثمارات السعودية في أمريكا
في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، وجه ترامب دعوة صريحة للسعودية لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار. وأشار إلى أن هذه الخطوة ستعزز العلاقات بين البلدين وتساعد الاقتصاد الأمريكي على النمو.
هذا الطلب يعكس نهج ترامب في التعامل مع السعودية كشريك اقتصادي مهم، لكنه في الوقت نفسه يحمل طابع الابتزاز الضمني. فمن خلال ربط الدعم الأمريكي بزيادة الاستثمارات، يسعى ترامب إلى ضخ سيولة سعودية في السوق الأمريكي، خاصة مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها واشنطن.
ثانيًا: خفض أسعار النفط – أداة ترامب للضغط
منذ بداية 2025، طالب ترامب السعودية وأوبك بخفض أسعار النفط، مشيرًا إلى أن ذلك قد يساهم في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ويرى ترامب أن ارتفاع أسعار النفط يساعد موسكو على تمويل عملياتها العسكرية، ولذلك يسعى للضغط على الرياض لضبط السوق العالمية.
لكن هذا الطلب يضع السعودية في موقف صعب، إذ تعتمد سياستها النفطية على تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية وحساباتها الجيوسياسية. وإذا استجابت لضغوط ترامب، فقد تتعرض لردود فعل من الدول المنتجة الأخرى، وعلى رأسها روسيا.
كما أن العلاقة بين الإنتاج والأسعار ليست دائمًا مباشرة. فزيادة الإنتاج تؤدي عادةً إلى انخفاض الأسعار، ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر على سوق النفط، مثل:
الطلب العالمي: إذا كان الطلب منخفضًا، فقد تنخفض الأسعار حتى دون زيادة الإنتاج.
التوترات الجيوسياسية: النزاعات والحروب قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسعار بغض النظر عن مستويات الإنتاج.
السياسات النقدية والاقتصادية: قوة الدولار، معدلات الفائدة، والتضخم كلها عوامل تؤثر على أسعار النفط.
قرارات أوبك+: إذا قررت السعودية وأوبك+ خفض الإنتاج، فقد ترتفع الأسعار حتى لو كان الطلب ثابتًا.
لذلك، فإن مطالبة ترامب للسعودية بخفض الأسعار تعني ضمنيًا مطالبة بزيادة الإنتاج، وهو ما قد لا يكون في مصلحة المملكة التي تسعى لتحقيق توازن بين الإيرادات النفطية واستقرار السوق.
ثالثًا: دفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل
منذ ولايته الأولى، دعم ترامب مشروع “اتفاقيات أبراهام”، وكان يسعى لإدراج السعودية ضمن الدول الموقعة. وفي 2025، عاد ليؤكد أن التطبيع بين الرياض وتل أبيب مسألة وقت، مشيرًا إلى أنه لا يحتاج لممارسة ضغوط مباشرة لتحقيق ذلك.
لكن في الواقع، قد تستخدم إدارته وسائل ضغط غير مباشرة، مثل ربط التعاون العسكري وصفقات الأسلحة بموقف السعودية من إسرائيل. وإذا أصر ترامب على هذا المسار، فقد يجد نفسه أمام تحديات داخلية سعودية، إذ لا تزال هناك حساسيات سياسية ودينية تعرقل هذا التقارب.
رابعًا: مواجهة النفوذ الصيني في الخليج
يعتبر ترامب الصين التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية، وقد يضغط على السعودية للحد من علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية مع بكين. فقد سبق أن انتقد التعاون السعودي-الصيني في مجال الاتصالات والتقنيات العسكرية، وقد يسعى في ولايته الثانية إلى فرض قيود أكبر على هذه الشراكة.
هذا الموقف قد يضع السعودية أمام خيار صعب بين الحفاظ على تحالفها التقليدي مع واشنطن، أو تعزيز تعاونها مع الصين لضمان استقلالية أكبر في قراراتها الاقتصادية والدفاعية.
الخاتمة: السعودية بين الضغوط الأمريكية واستراتيجيتها المستقلة
يبدو أن السعودية ستواجه مرحلة صعبة من الضغوط في ظل ولاية ترامب الثانية، حيث يسعى إلى تحقيق مصالح أمريكية مباشرة على حساب التوازنات الإقليمية التي تحاول المملكة الحفاظ عليها.
لكن رغم هذه الضغوط، تملك الرياض أوراقًا قوية للمناورة، من بينها دورها في أسواق الطاقة، وعلاقاتها المتشعبة مع كل من الصين وروسيا، وقدرتها على الاستفادة من المنافسة بين القوى الكبرى.
ويبقى السؤال: هل ستخضع السعودية لابتزاز ترامب، أم أنها ستنجح في تحقيق توازن يحفظ مصالحها دون خسارة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة؟