💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ زَرَعَ الإحَنَ حَصَدَ الْمِحَنَ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ زَرَعَ الإحَنَ حَصَدَ الْمِحَنَ”
حتميَّة، أو سُنَّة، تقوم على الربط بين الفعل وردة الفعل، وتشير إلى أن من يبادر إلى نشر العداوة والبغضاء والضغائن بين الناس سترتد عليه مِحَناً ومصائب، وسيكون أول ضحاياها.
كي نفهم مراده (ع) يجب أن نفهم معنى الإِحَن والمِحَن
الإحَن: جمع “إحْنَة”، وهي تعني الضَّغينة، وتتسع لتشمل العداوة، والحقد، والكراهية المُبَطَّنة، والمُتأصِّلة في النفوس. يُقال: “فلانٌ ذو إِحْنٍ” أي يحمل الضغائن في قلبه ضد غيره، ويعمل على تغذيتها بدلاً من تجاوزها والتسامح.
المِحَن: جمع “مِحْنَة”، وهي تعني الشدائد، والبلايا، والرزايا، والمصائب، والأزمات التي يمرُّ بها الشخص أو المجتمع. والمحنة قد تكون في المال، أو الأهل، أو الصحة، أو في القلاقل الاجتماعية، أو الحروب.
لقد استخدم الإمام أمير المؤمنين (ع) أسلوب الزراعة والحصاد كاستعارة تمثيلية تعبر عن العلاقة السببية بين الأفعال ونتائجها، فمن يزرع البغضاء بين الناس، ويؤجج الكراهية، ويفتح أبواب الصراعات والفتن، فإنه سيجني نتائج أفعاله على هيئة مِحَن وأزمات تؤدي إلى هلاكه أو تدمير المجتمع الذي يعيش فيه.
وهي تعبّر عن سُنَّة اجتماعية وقانون إلهي، وهو أن الأفعال التي تزرع الفساد والعداوة تأتي بعواقب وخيمة تعود على صاحبها وعلى من حوله، فمن يزرع الشرَّ يجني الشَّرَّ ولو بعد حين، ومن يزرع الفساد في الأرض يجني الفساد والخراب والدمار ولو طال المدى.
وقد اشتملت هذ الحتمية على سُنَنٍ عديدة يمكننا أن نستنبطها منها:
أولاً: قانون السببية في السلوك الإنساني، فكل فعل يؤدي إلى نتيجة تتناسب مع طبيعته، فالخير يولّد الخير، والشَّرُّ يولّد الشَّرَّ، ومن يزرع الفتنة بين الناس، يكون أول من يحترق بنيرانها.
ثانياً: تأثير السلوك الفردي على المجتمع، فالفرد لا يعيش بمعزل عن الآخرين، وما يفعله يؤثر على البيئة المحيطة به، فإذا كان ينشر الأحقاد، فإن المجتمع كله سيدخل في دائرة من الصراعات والمشكلات.
ثالثاً: سُنَّة العقوبات الإلهية والاجتماعية، فالأعمال السيئة تعود على صاحبها، سواء من خلال الجزاء الإلهي، أو كنتيجة طبيعية للفساد الذي نشأ عنها، كما قال تعالى: “…وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ…” ﴿فاطر: 43﴾
وهذه السُّنَّة جارية مطردة في جميع العصور والأفراد والمجتمعات، ونجدها الآن في المجتمعات التي ينتشر فيها التحريض على الكراهية الدينية، والطائفية، والمذهبية، حيث تعاني من الحروب والنزاعات، مما أدّى إلى دمارها وانهيار أمنها واقتصادها.
والشخص الذي يمارس النميمة وينشر الإحن بين الناس يجد نفسه في النهاية منبوذاً فيهم، ومكروهاً منهم، فيتحول إلى ضحية لأفعاله عندما تنقلب الأمور عليه.
البشرية اليوم تعاني من المِحَن والإضطرابات والحروب والصراعات، ومعظمها ناتج عن نشر الإحَن والبغضاء بينها، والذي تتكفَّل به دول ومؤسسات، ويضطلع الاعلام في هذا المجال بدور رئيسي، ويشاركه المتعصبون المتزمِّتون، وفيهم رجال دين، وأحزاب، وشخصيات إعلامية، وفكرية، يقومون بتنشر البغضاء والأحقاد بين الناس، والناس يكتوون بتلك النيران الملتهبة المستعرة.
إن حاجتنا ماسَّة إلى نشر روح الإخاء بين الناس، وتعزيز ثقافة التسامح، والحوار، وقبول الآخر، واجتناب النميمة، وعدم التساهل مع المُغرضين والمُحرِّضين، والتَّنبُّه إلى الشائعات التي باتت اليوم تنتشر انتشار النار في الهشيم، وبناء علاقات قائمة على الصدق، والمودة، والاحترام المتبادل، وفَهم الآخر كما هو لا كما نُحب، والتعاون معه على المصلحة المشتركة التي ترجع بالخير على الجميع، وإصلاح ذات البين بدلًا من تأجيج الصراعات.
فجر يوم الجمعة الواقع في: 31/1/2025 الساعة (05:33)