الأزمة المالية بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في العراق..!
ضياء ابو معارج الدراجي ||
مقدمة
تُعد الأزمة المالية بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في المشهد السياسي والاقتصادي العراقي. تتعلق هذه الأزمة بتوزيع العائدات النفطية، وحصة الإقليم من الموازنة العامة، ورواتب الموظفين، والسياسات المصرفية، فضلًا عن قضايا الفساد والازدواجية في الرواتب.
جذور الأزمة المالية
تعود الأزمة إلى الخلافات الدستورية والسياسية بين أربيل وبغداد منذ عام 2003، حيث يتمحور النزاع حول تصدير النفط بشكل مستقل من قبل الإقليم، وحصة كردستان من الموازنة الاتحادية، وحقوق الموظفين، وآليات الرقابة المالية. ومع تصاعد الخلافات، لجأت بغداد في بعض الأحيان إلى قطع أو تقليل حصة الإقليم المالية، بينما استمر الإقليم في تصدير النفط بشكل مستقل دون تسليم إيراداته إلى الحكومة المركزية.
رفض توطين الرواتب في المصارف
من بين النقاط الخلافية الكبرى، رفض حكومة الإقليم توطين رواتب الموظفين الكرد في المصارف العراقية، وهو ما تعلله بعدة أسباب، أبرزها:
1. الازدواجية في الرواتب: هناك عدد كبير من الموظفين في الإقليم يتقاضون رواتب مزدوجة، إحداها من بغداد والأخرى من أربيل، وهذا يشمل موظفين عاديين وأشخاصًا في مناصب عليا ورفيعة.
2. الحفاظ على السيطرة المالية: يخشى الإقليم من فقدان السيطرة على توزيع الرواتب إذا تم تحويلها إلى المصارف الاتحادية، مما قد يعرض الموظفين لمراقبة بغداد المباشرة.
3. البعد الأمني والسياسي: هناك مخاوف من أن تسليم كشوفات الرواتب للمصارف العراقية قد يكشف عن أسماء الشخصيات المتورطة في الفساد أو التجسس لصالح جهات داخل الحكومة المركزية أو قوى خارجية.
4. غياب الثقة بين الطرفين: تشكل أزمة الثقة بين بغداد وأربيل عائقًا أساسيًا في حل المشكلة، حيث تتخوف حكومة الإقليم من أن تستخدم بغداد مسألة الرواتب كأداة ضغط سياسي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
انعكست هذه الأزمة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إقليم كردستان، حيث:
تأخرت رواتب الموظفين لشهور بسبب عدم الاتفاق على آلية الصرف.
تفاقمت الأزمة الاقتصادية نتيجة عدم استلام الإقليم مستحقاته الكاملة من الموازنة الاتحادية.
زادت معدلات الفساد بسبب ضعف الرقابة وعدم الشفافية في توزيع الرواتب.
الحلول المطروحة
لإنهاء هذه الأزمة، يمكن تبني عدة حلول، منها:
1. إنشاء نظام مالي شفاف يضمن تسليم الرواتب إلى مستحقيها الفعليين فقط، عبر آليات تحقق مشتركة بين بغداد وأربيل.
2. إلزام جميع الموظفين باعتماد راتب واحد عبر تدقيق بيانات الموظفين واعتماد البصمة البيومترية لمنع الازدواجية.
3. تقاسم العائدات النفطية بآلية عادلة تضمن استلام الإقليم مستحقاته وفق الدستور، مقابل التزامه بتسليم الإيرادات النفطية إلى الحكومة المركزية.
4. بناء الثقة بين الطرفين عبر اتفاقات ملزمة تمنع استخدام الرواتب كورقة ضغط سياسي.
الخاتمة
لا تزال الأزمة المالية بين بغداد وأربيل تراوح مكانها بسبب تداخل المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. ولحلها، لا بد من شفافية مالية حقيقية، والتزام متبادل بالاتفاقات، وإصلاح شامل لمنظومة الرواتب والموارد المالية. بدون ذلك، سيبقى الملف أداة للصراع السياسي، وسيظل الموظفون والاقتصاد هما الضحيتان الأكبر.
ضياء ابو معارج الدراجي