ترامب والناتو..تحالف متصدع ام انعزال مرتقب؟!
صباح زنكنة ||
في تصريحات قد تكون الأكثر جرأة وإثارة للجدل، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب: “لست متأكدًا من أننا يجب أن ننفق أي شيء على حلف الناتو.”
تصريح كهذا يعكس جوهر رؤيته للسياسة الخارجية الأميركية التي طالما شابت مواقفها نزعات للانعزال عن الشؤون الأوروبية وكأنها محاولة لإحياء سياسة “الانعزالية” التي تبنتها الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي،
حينها انكفأت أميركا عن التدخل في حروب أوروبا وصراعاتها الداخلية وصبت تركيزها على قضاياها الداخلية ومصالحها الخاصة، ولم تتخلَّ عن هذا الموقف إلا عندما أجبرها الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، وأعقب ذلك إعلان ألمانيا النازية الحرب عليها.
ما يشهده العالم اليوم، مع تصريحات ترامب وأفعاله خلال فترة رئاسته، يبدو أنه يعكس نسخة معاصرة من تلك السياسة.
فترامب لم يُخفِ شعوره بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) اصبح يشكل عبئًا على الولايات المتحدة، معتبرًا أن واشنطن “تحمي الحلف” بينما “الحلف لا يحميها”، وهذا الموقف الصريح يتماشى مع فلسفة ترامب “أميركا أولاً”، التي وضعت المصالح القومية فوق أي تحالفات تقليدية، وعلى ما يبدو أن أوروبا في نظر ترامب لم تعد الحليف الاستراتيجي الذي كان يشكل ثقلًا سياسيًا وعسكريًا لواشنطن في الحرب الباردة بل أصبحت عبئًا اقتصاديًا مكلفًا.
وفي المقابل، تتجه أنظار ترامب نحو قضايا يعتبرها أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، اذ يرى أن التحديات الكبرى ليست في الحروب الأوروبية أو المشاكل العابرة للقارات بل في محيطه القريب (أميركا الوسطى والجنوبية، كندا، الشرق الأوسط، الشرق الأدنى، وأخيرًا الصين) التي تمثل المنافس الاستراتيجي الأكبر لواشنطن على الساحة الدولية.
وتعكس هذه الرؤية على نحو واضح تغيرًا جوهريًا في توجهات السياسة الخارجية الأميركية خاصة في٧ ظل صعود قوى جديدة على الساحة العالمية، وانحسار التأثير الاقتصادي الأوروبي مقارنة بالصين ودول أخرى، وبالنسبة لترامب٧ فأوروبا لم تعد في الصدارة، بل أصبحت عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا يتوجب إعادة النظر في مدى جدوى الاستمرار في دعمه.
لكن هذا التوجه، ورغم شعبيته لدى جزء من الأميركيين الذين يريدون تقليل التزامات بلادهم الخارجية، يثير مخاوف عميقة بين حلفاء واشنطن التقليديين في أوروبا. فهل يمكن للولايات المتحدة أن تعود إلى عزلة مماثلة لما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وهل يمكن للناتو الذي وُلد من رحم الحرب الباردة أن يستمر في ظل تراجع الدعم الأميركي؟
ترامب ربما لم يكن مجرد رئيس يسعى لكسب النقاط السياسية داخليًا، بل اصبح انعكاسًا لتحولات أعمق في المزاج السياسي الأميركي، تُظهر أن العالم كما عرفناه خلال العقود الماضية قد يكون في طريقه للتغيير جذريًا وبشكل قد تتغير حتى استراتيجيات وشعارات بلدان كانت تقف بوجه السياسة الامريكية لتحولها من عدوة الى صديق او حليف!! .