💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ عامَلَ بِالْعُنْفِ نَدِمَ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عامَلَ بِالْعُنْفِ نَدِمَ”
حتمية مهمة، وسُنَّة من سُنَنِ الله الاجتماعية، تربط بين الممارسة العُنف، وما يترتَّب عليه من ندم وحسرة على فوات المطلوب، وعدم تحقق الأهداف التي سوَّغت لصاحبها أن يستعمل العُنف وسيلة لتحقيقها، لأن العُنف يستدعي العنف، يولِّد عنفاً يوازيه وقد يزيد عليه، رغبة في الثأر والانتقام، فبدل أن يُرغِم العنفُ الطرف الآخر فإنه غالباً ما يقوِّيه،
فقوله (ع): “مَنْ عامَلَ بِالْعُنْفِ نَدِمَ” يؤَسِّسُ لقاعدة سببية واضحة، حيث يكون العنف سبباً، والندم نتيجة حتمية له، وهو بذلك لا يشير إلى احتمال ندم المُعَنِّف، بل يجعله حتمية مترتبة على الفعل، وفقًا لمبدأ السببية.
وعليه: فالعنف ليس مذموماً أخلاقياً وحسب، وليس محرَّماً شرعاً وحسب، بل إنه دون جدوى، ومردوده السلبي أكثر بكثير من مردوده الإيجابي على من يعتمده وسيلة لترهيب أعدائه وحصومه، أو ابتزازهم، أو فرض شروطه وإملاءاته عليهم، أو تحقيق مآربه منهم، ولئن أفاده للوهلة الأولى، فلن يفيده على المدى المتوسّط فضلاً عن المدى البعيد، فدائماً ما تكون النتيجة الحتمية لذلك هي الندم والشعور بالخسارة والمرارة.
إن العنف ظاهرة تربوية، واجتماعية، وسياسية، ونفسية، طالما عانت البشرية منها، وهو استخدام القوة الجسدية أو النفسية أو اللفظية بشكل مفرط أو غير مبرَّر لإخضاع الآخرين أو تحقيق أهداف معينة، والمعاملة بالعنف تشمل أي فعل أو قول يهدف إلى إلحاق الأذى بالآخرين، سواء كان ذلك في التربية أو السياسة أو العلاقات الاجتماعية، أو المالية، أو الاقتصادي، أو سوى ذلك مما يمارسه طغاة العالم اليوم، سيَّما في الآونة الأخيرة حيث بات العُنف هو السِّمة الأهم لهم، يمارسون العُنف بفظاظة وغلظة، ودونما أدنى مراعاة لمعايير القانون الدولي، والقيم الأخلاقية الإنسانية،
فلم يبقَ في قاموسهم إلا الفرض والقمع والعقوبات والحروب لفرض خياراتهم على الشعوب الأخرى وإخضاعها، ونهب ثرواتها.
وقد حَذَّر الرسول الأكرم (ص) من العنف، (ع) وحذَّر منه الإمام علي (ع)، وسبقهما إلى ذلك القرآن الكريم، -وهو المصدر الأساس- موجِّهاً الإنسان إلى ضرورة ضبط النفس والتعامل بالحكمة، ناهياً عن العُنف الجسدي، واللفظي، وعن أي شكل من أشكاله، فنهى عن إيذاء الناس، وقتلهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم، ونهى عن ضربهم، وشتمهم، والسخرية منهم، والاستهزاء بهم، واللَّمز عليهم،
ودعا رسولَه الكريم (ص) إلى اللّين والرأفة والرحمة بأتباعه، فقال: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ…”﴿آل عمران: 159﴾
فالعُنف مهما كانت مبرراته، يؤدي في النهاية إلى نتائج سلبية تجعل المعتدي يندم، وقد أكدت الدراسات النفسية والاجتماعية أن العنف لا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيداً.
ونهى رسول الله (ص) عن استعمال العنف عموماً، إلا أن يكون له موجب كما في حالات رد الاعتداء، ومجابهة الظالم الطاغي والباغي، ودعا إلى استعمال الرِّفق واللِّين فقال: “إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ”.
وأكَّد الإمام أمير المؤمنين (ع) في كثير من أقواله على ضرورة الرفق والعدل والتسامح في التعامل مع الناس، وهو يرى أن القوة الحقيقية تكمن في التحكم بالغضب والابتعاد عن العنف، إذ يقول: “الرِّفْقُ يُؤَدِّي إِلَى السَّلَامَةِ، وَالْعُنفُ يُؤَدِّي إِلَى النَّدَامَةِ”
ولذلك، فإن الحلَّ الأمثل هو اعتماد منهج الرفق واللين والحوار في جميع مجالات الحياة، سواء في التربية أو السياسة أو العلاقات الاجتماعية، واجتناب العنف اللفظي والجسدي والعنف الأمني والسياسي والاقتصادي، فبذلك نحافظ على استقرار مجتمعاتنا، ونعزَّز العلاقات الإنسانية فيما بيننا، ونحمي الأفراد من الوقوع في دوامة الندم.
فجر يوم السبت الواقع في: 1/2/2025 الساعة (05:30)