التوازن في الشرق الأوسط..!
المحامي عبد الحسين الظالمي طالب في الدراسات العليا في العلاقات الدولية ||
بعد انتهاء القطبية الثنائية على اثر تفكك الاتحاد السوفيتي وتحول النظام العالمي من القطبية الثنائية الى نظام القطب الواحد ثم الى نظام الأقطاب المتعددة وبقاء الكفة تميل لصالح أمريكا التي تمتلك مقومات الاعب الفاعل في النظام الدولي ولكون عملية التوازن تحتاج الى لاعبين يمتلكون مقومات لعب هذا الدور ، وللأهمية الشرق الأوسط في المعادلة الدولية للأسباب كثير منها الموقع الجغرافي الذي يتحكم ببعض الممرات المائية والجوية بالإضافة الى النفط والطاقة وكذلك كون الشرق الأوسط يشكل قلب نظام هدد ويههد المصالح الامريكية وهو الإسلام الصاعد خصوصا بعد انهيار نظام الشاه في ايران الذي كان يشكل الشرطي الحارس في منطقة الخليج والشرق الأوسط ليحل محله نظام إسلامي يعلن عن عدائه للامريكا ،
مع هذا التحول اختل التوازن في منطقة الشرق الأوسط الذي تعلب فيه إسرائيل دور الجندي في رقعة الشطرنج مما جعل الامريكان يفكرون في طريقة إعادة التوازن في هذه المنطقة من خلال السيطرة الى الاعب الجديد الذي برز بشكل سريع واعلن عن أفكاره وطموحاته( ايران الإسلامية )
هذا الاعب الذي لم يقلق ظهوره أمريكا فسحب بل اقلق دول مجاوره أخرى بعيده عن المنطقة لكونها تتاثر بالطاقة ممل جعل الكل يفكر في كيفية الحد من طموحات الاعب الجديد في المنطقة ،
ولم يجدوا غير لاعب طامح للقيادة في المنطقة تمثل في شاب صاعد توا يحتاج الى تمكينه من المركز الأول في حكم العراق وحيث أسباب إيجاد حدث بين العراق وايران متوفرة منها الحدود وعدم الاستقرار في ايران وطموح صدام والحد من بروز فكر جديد يحكم بشكل رسمي دولة في المنطقة تم اشعال فتيل حرب بين ايران والعراق بعد مضي سنة من انتصار الثورة الإسلامية في ايران واشهر من صعود صدام الى دفت الحكم من خلال ازاحت البكر .
والمتابع للمواقف الدولية في بداية الحرب حيث تمكن صدام من احتلال مناطق كبيرة من الأراضي الإيراني منذ دخول العراق الى ايران في 22-9-1980 الى سنة 1982 لم يصدر أي قرار ولا تهديد ولا تصريح من الاعبين الاساسين في النظام الدولي وكتفوا فقط في بعض التصريحات وعندما تمكنت ايران من استعادت قوتها وتحرير بعض المدن المهمة من الجيش العراقي ومنها المحمرة المنطقة المهمة والاستراتيجية والمجاورة لمدينة البصرة هذا التحول نقل الكفة لصالح ايران مما جعل الأمم المتحدة ومن خلفها الاعبين الاساسين من اطلاق مبادرات لوقف القتال خصوصا بعد عام 1982 الذي حققت فيه ايران تقدم كبير في الحرب حيث مالت الكفة من عام 1982وما بعدها الى صالح ايران وبعد رفض ايران لدعوات وقف اطلاق النار وتراجع العراق في الحرب سعت بعض الدول الى دعم العراق بالسلاح والمال الذي كان ممنوع على الدولتين حيث عقد العراق صفقات أسلحة متطورة جدا مع الاتحاد السوفيتي الذي يطلب ايران ثائرا عما جرى في أفغانستان وفرنسا وبريطانيا والأموال تدفع من خزائن دول الخليج ومنها الكويت فيما فرض حصار شديد على تجهيز ايران مما ساعد على تحقيق تقدم لصالح العراق أعاد التوازن في الحرب بين البلدين وفي النهاية وافقة ايران على وقف الحرب نتيجة الخسائر وتراجع الامدادات خصوصا العسكرية ومنها الصواريخ بعيدة المدى الذي هدد بها العراق المدن الإيرانية .
انتهت الحرب في وضع أراد لها البعض ان تنتهي تحت قاعدة لاغالب ولا مغلوب ،
وبالتالي تحقق هدف إعادة التوازن النسبي في المنطقة ولكن العراق خرج من الحرب وهو يمتلك ترسانة من السلاح والقوى البشرية والتجربة في القتال وحتى لا يتكرر الوضع الذي حدث في ايران تم صناعة حدث اخر يعيد الأمور الى نصابها ويعاقب بعض الدول ومنها الكويت التي غيرت سياساتها في أوبك في 1990 حيث اعطيه صدام الضوء الأخضر لغزو الكويت لتبدء مرحلة أخرى في إعادة تكوين المنطقة وفق نظرية كيسنجر في كتابة ( العالم يعيد تكوين نفسه )
وهنا لعبة أمريكا لعبة البلنص في مراجيح الأطفال حيث ايران ومن معها مقابل إسرائيل وبعض الدول في المنطقة التي ترى ان ايران مصدر قلق لها ويكون موقع أمريكا هو قاعدة البلنص التي تتحكم في معادلة القوى بين الكفتين فيما بقت الأقطاب الاخرة مثل روسيا والصين في موقف المتفرج وبعد اخراج النظام من الكويت منهك القوى ومدمر كليا أشار بعض الخبراء الاستراتيجيين على أمريكا ان وضع العراق بهذه الصورة قد يفتح المجال الى قوى صاعدة قد تغير الكفة ولكون الوضع في العراق لا يساعد على صناعة لاعب جديد يقوم بالمهمة وحده لكون البنى التحتية للعراق مدمرة تماما وهنا فكرت أمريكا ان تكون هي الاعب المباشر في صنع عملية التوازن فبادرت الى احتلال العراق بذريعة الأسلحة المحرمة دوليا وكانت تظن انها تتمكن من فرض التوازن في عملية نفوذ محتملة لإيران في العراق ولكون ايران دولة جارة للعراق وثناء الحرب وقبلها سمحت للألف من العراق لتواجد على ارضها بدوافع عقائدية وإنسانية واهداف استراتيجية وفشل المحيط العربي للعراق من توظيفها بدء صراع النفوذ في العراق وحين تختل الموازنة بين مكونات الحكم الجديد في العراق تحاول أمريكا إيقاف هذا التحول حيث أبقت مجموعة من الملفات المهمة تحت سيطرتها ومنها التسليح والكهرباء وموارد العراق النفطية وحين ترى ان كفة الصراع قد رجحت كفة معينه اوجدت حدث في العراق تارة يكون داعش وتارة اثارة الشارع وتارة خلق وضع اقتصادي خانق ،
و حيث تطور صراع النفوذ بين أمريكا وايران الى خارج حدود العراق ليشكل كل من الطرفي الصراع ، محورا محور مقاومة ومهندسه قاسم سليماني ومحور تطبيع تقف خلفة دول لازالت تخاف من ايران والوضع الجديد بالعراق وحين تطور الصراع ونظمت الى اطرافه دول وحركات أخرى توسعة رقعت الصراع لتشمل اغلب مساحة الشرق الأوسط وحيث التطور العالمي في العلاقات نتيجة التطور التقني ترابطت ساحة الصراع الدولي حيث أوكرانيا وتايوان وكوريا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وانقسام دول المنطقة في المواقف خلال فترة زمنية خصوصا بعد عملية طوفان الأقصى وما قبلها حيث اهتز التوازن بعض الشىء ومال قليلا نحو محور المقاومة عندها تطلب الموقف وبشكل علني القضاء على مهندس محور المقاومة فكانت جريمة مطار بغداد وحيث بروز شخصية نصر الله فكانت جريمة اطلاق أمريكا استراتيجية استخدام اخر ما توصلت اليه التقنية في مختلف المجالات ومنها الطائرات والصواريخ المتطورة والتي كان يستبعد البعض استخدامها فكانت خطة القضاء على قيادة حزب الله التي حلت بديلا عن مهندس محور المقاومة قاسم سليماني وطلاق يد إسرائيل بالعمل على تدمير المقاومة الفلسطينية والقضاء على قيادة حزب الله وهذا كله لم يكون دون تدخل لاعب قاعدة البلنص في المعادلة وحتى لا يتكرر موقف رجحان كفة المقاومة مرة أخرى كان الموقف في سوريا الذي فشل بشار في السيطرة على المعادلة الخارجية وتأثيرها على الوضع الداخلي حيث انهار وضع الجيش السوري اقتصاديا ونفسيا حيث اصبح فيه راتب وزير الدفاع مائتان دولار فقط ! و بدخول لاعب جديد هو تركيا التى سمح لها وبناء على طلبها وطلب قطر للإعادة التوازن الضمني بينهم وبين السعودية والامارات من جهة وبينها وبين محور المقاومة من جهة أخرى وسمحت الصفقة أيضا ان تحتفظ روسيا بقواعدها البحرية والجوية ولإسرائيل ان تدمر ما يمكن تدميره من القوة السورية لتكون شريك في الصفقة فيما سمح لإيران والعراق بإخراج قوات الفصائل الموجودة في سوريا وعدم المساس بالمراقد الشيعية وكذلك ان يظهر القادة الجدد بمظهر مدني متحضر حتى تطوى قضية الإرهاب والقتل عنهم حتى ولو كانوا مطلوبين وحيث ان التوازان الان شبه تحقق مع رجحان بسيط لصالح الكفة المقابلة لكفة المقاومة باعتبار ان هذا الرجحان مسيطر علية ودوله تحت السيطرة فلا نعتقد ان المنطقة والوضع الدولي وخصوصا في مجال الطاقة صناعة حدث جديد في المنطقة حتى الخمس سنوات القادمة .
والسؤال المهم الان هل يلتزم الاعب الصاعد في أمريكا بالسياسة الاستراتيجية الامريكية ام يخرق قواعدها ؟
رغم ان المؤشرات تشير الى ان ترامب متمرد حتى على نفسه وهكذا نقول ان من يمتلك القوة ويضع مصالحة هي دينه وعقيدته في عالم يقترب من بعضة ولكن يزداد تعقيدا ووحشة ويحمل في زوايا تكوينه موقتات تفجير قسم منها مسيطر علية والقسم الاخر خارج السيطرة .