الخميس - 13 فيراير 2025

دماء الصدر واخته بنت الهدى..انتصار العدالة الإلهية..!

منذ أسبوع واحد
الخميس - 13 فيراير 2025

ناجي الغزي/ كاتب سياسي ||

في عمق التاريخ العراقي، تنزف الصفحات بدماء الأبرياء الذين سقطوا تحت سطوة البطش والاستبداد، صفحات كُتبت بآهات الأمهات، ودموع الثكالى، وصرخات المعذبين في أقبية الظلام. عقودٌ مضت على تلك الجرائم التي ظن مرتكبوها أنها طُويت مع سقوط نظامهم، وأن السنين ستُخفي آثارهم بين حطام الماضي، لكنهم نسوا أن هناك عدالة إلهية لا تتقادم، وقصاصاً مؤجلاً، لكنه حتمي.

واليوم، إذ تُعلن السلطات العراقية اعتقال “المجموعة القذرة” التي نفذت القتل والتعذيب بأزكى الدماء من علماء فإنها لا تقتص للضحايا فحسب، بل تسجل انتصاراً جديداً للحقيقة، لتُثبت أن الأرض لا تنسى دماء الأبرياء، وأن يد العدالة مهما تأخرت، فإنها تُطبق بأمر الله على رقاب الجناة.

عشرون ألف صرخة لم تمت

على مدار 22 عاماً، من 1981 حتى 2003، كانت هذه المجموعة تمثل اليد القذرة للنظام الديكتاتوري، التي تبطش وتقترف أبشع الجرائم ضد آلاف الضحايا، بينهم عوائل بأكملها، ومعارضون، وأبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم وُجدوا في زمنٍ لا يرحم. لم يكن القتل مجرد أداة للقمع، بل كان وسيلة لترهيب شعب بأكمله، حيث أُزهقت الأرواح في اغلب المحافظات العراقية بدوافع طائفية وعرقية، ومن بينها بغداد وسبع محافظات في الوسط والجنوب، إضافةً إلى محافظة اربيل والسليمانية، لتتحول هذه الجغرافيا إلى مسرح دموي، لا يزال يئن تحت وطأة الذكريات السوداء.

تعددت أساليب الجريمة، فمن المقابر الجماعية التي ضمت آلاف الجثث، إلى الإعدامات الميدانية، والتعذيب الوحشي، والإخفاء القسري، كلها فصولٌ مرعبة من قصة لم تنتهِ حتى جاءت لحظة الحساب.

العدالة تعبر الحدود وتنتصر

لم يكن القبض على هؤلاء المجرمين مجرد صدفة، بل جاء بعد سبعة أشهر من التحقيقات الدقيقة، بذلت فيها الأجهزة الأمنية العراقية جهداً استثنائياً لتعقب هؤلاء السفاحين، مستخدمةً أحدث الوسائل الاستخبارية، في عملية امتدت خارج حدود العراق، ليبرهن الأمن الوطني أنه لا جريمة تُنسى، ولا مجرم سينجو مهما حاول الهروب.

وفي مشهدٍ طال انتظاره، سقط القتلة واحداً تلو الآخر في قبضة العدالة، ليواجهوا التحقيق والمساءلة، ولتبدأ مرحلة المحاسبة القانونية لكل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء. لم يكن الأمر مجرد عملية أمنية، بل إثباتٌ بأن الدولة العراقية، رغم كل ما مرت به، ما زالت قادرة على الاقتصاص، وما زالت تحمل راية العدل مهما تعاظمت التحديات.

القصاص.. لا إفلات من العقاب بعد اليوم

ما جرى لم يكن حدثاً عابراً، بل كان رسالة للعالم أجمع، بأن العراق الجديد يرفض أن يكون ساحةً للإفلات من العقاب. فكما سقط رأس النظام في 2003، ها هي بقاياه تتهاوى اليوم تحت وطأة العدالة.

هذه الملاحقات ليست سوى جزءٍ من مسار العدالة الانتقالية، الذي لا يهدف فقط إلى إنصاف الضحايا، بل إلى تطهير الأرض من شبح الاستبداد الذي حاول أن يُعيد إنتاج نفسه في الظل.

الدماء التي أُريقت لم تذهب هباءً، والأرواح التي أُزهقت نطقت اليوم بلسان العدالة، فكان القصاص عنواناً للحظة طال انتظارها. هؤلاء الذين ظنوا أنهم فوق القانون، اكتشفوا أن اليد التي ارتفعت ظلماً يوماً ما، ستنحني ذلاً في قفص الاتهام.

التاريخ لا ينسى، والله لا ينسى، والعدالة وإن تأخرت، فإنها حين تأتي، لا تُبقي ولا تذر.