الثلاثاء - 25 مارس 2025
منذ شهرين
الثلاثاء - 25 مارس 2025

حافظ ال بشارة ||

في التاسع من نيسان نتذكر دائما جريمة قتل المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر وشقيقته العلوية المجاهدة بنت الهدى ، انه الممهد للثورة الاسلامية في العراق ، وفتواه ونداءاته الشهيرة تحولت الى فرق جرارة من المجاهدين ،

وتقترن ذكرى الاستشهاد مع ذكرى سقوط الطاغية ونظامه ، وليس هناك صدفة بل هو تقدير الهي له معنى واضح ، وليس صدام وحده من قتل الشهيد الصدر بل هناك شركاء دوليون واقليميون لهم مصلحة في التخلص من ذلك المرجع الثائر ومشروعه الكبير ،

خاصة وان هجوم صدام على الاسلام في العراق سبق هجومه على ايران لاسقاط النظام الاسلامي الجديد بدعم امريكي وغربي وعربي ، تطلبت الحرب على ايران ان يبدأ نظام صدام بتصفية خصومه في الداخل ممن يمثلون امتدادا للثورة الاسلامية وفكرها واهدافها ، لذلك وجه صدام ضربة موجعة للحركة الاسلامية في العراق بكل رموزها من مرجعية وحوزة وتنظيم سياسي وقواعد جماهيرية نامية ، وشملت الجريمة اشكالا من القتل والتغييب والتهجير والسجن .

كان الشهيد الصدر رمزا لمشروع الحكومة الاسلامية ، التي لا يمكن ان تنهض الا بعد ثورة جذرية ، لذلك وضع السيد الشهيد اولويات لبعث الروح في تلك الثورة على الاصعدة الفكرية والاجتماعية والسياسية ،

وقد بدأ معركته بتأصيل الفكر الاسلامي وتبسيط الرؤية الاسلامية في بناء الفرد والمجتمع والدولة ، وكانت البداية متمثلة بمواجهة المدرستين الاشتراكية والرأسمالية كأطر اديولوجية وكمذاهب اقتصادية ورؤية في بناء المجتمع وهويته الاخلاقية ،

كانت مباحث السيد الشهيد فلسفية عميقة دامغة لذلك لم يستطع خصومه الرد عليه ، وقد عبر السيد الشهيد عن مدرسته المتكاملة عبر مؤلفاته الشهيرة (اقتصادنا) و (فلسفتنا) و (الاسس المنطقية للاستقراء) ،

اما اراؤه الفقهية فقد نشرها في رسالته العملية (الفتاوى الواضحة) ، ولم يتوقف السيد عند عملية نسف الاسس التي تقوم عليها الراسمالية والاشتراكية بل ذهب الى تأصيل الرؤية الاسلامية وقدرتها على بناء الفرد والمجتمع والدولة والاقتصاد بكل مفاصله،

هذه الريادة العلمية الفريدة هي التي جعلت الدوائر الاستكبارية واتباعها في المنطقة يشعرون بالخطر وبأن خمينيا ثانيا ينهض في العراق بعقله الكبير وغطاءه الجماهيري والحوزوي والسياسي ، ولا يوجد حل الا بتوجيه ضربة قاصمة الى هذا الزعيم ونهجه وقواعده .

لكن يبدو ان جريمة قتل السيد الصدر جسدا قد اعقبتها عملية تصفيته فكرا ومنهجا ، القتل الجسدي نفذه الاعداء اما القتل المنهجي فقد نفذه الاصدقاء ! بخيانة الامانة والتهاون في اداء الواجب ،

فنحن الآن امام مشهد غريب اذ نرى اغلب من يدعون انتماءهم الى الشهيد الصدر ومدرسته ونهجه العلمي والاخلاقي ابتلوا اليوم بتقصير هائل ادى الى انتكاسة كبرى في ادارة شؤون بلدهم ، والتغاضي عن الانحدار المستمر في ادارة النظام البديل ،

واصبح اغلبهم يرمز الى الفشل والفساد والفوضى ، ولم يقرر احد منهم ان يثور على الفساد ، او يعتزل التجربة ويعلن رفضه لما يجري ، بينما بقي هناك خط اصيل صادق في انتماءه الى هذه المدرسة يقاوم عوامل النحطاط ،

وقد اثبت هذا الخط بمجاهديه حضوره الكبير في معركة العراق مع داعش ونهجه التكفيري ، وقدم رعيلا كبيرا من الشهداء ، واسقط اسطورة التكفيريين وحواضنهم ،

لكن تلك التضحيات لم توقف مسار الانحطاط السياسي في ادارة الدولة ، انه انحطاط خطير ادى الى قتل الشهيد الصدر نهجا وفكرا وطي صفحة ذلك التألق النادر في تاريخ المرجعيات ،

لكن اتباع ذلك الشهيد العملاق لن يصابوا باليأس لأن تجارتهم مع الله ولا يخلف الله وعده.

(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص-5