الثلاثاء - 25 مارس 2025

💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ كَثُرَ لَهْوُهُ اسْتُحْمِقَ..!

منذ شهر واحد
الثلاثاء - 25 مارس 2025

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||


📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ كَثُرَ لَهْوُهُ اسْتُحْمِقَ”

معادلة ذات آثار فتّاكة مدمِّرة، أكثر من تنبَّه لها الطغاة والمستبدون والناهبون، وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي خاصة في عالمنا الحديث، وأكثر من غفل ويغفل عنها عوام الناس والجَهَلَة والأغبياء، إن إغراق الناس باللهو من أعظم وأهم وسائل الطغاة والناهبين لحرف الناس عن مصالحهم الحقيقية، وثرواتهم ومصائرهم، وإن اللهو من أكثر ما يجتذب الناس بعيداً عن قضاياهم المصيرية.

وتتعدَّد المُلهيات، لا سيما في زماننا هذا، وهي تبدأ من أفكار تُلقى في الشارع فينشغل الناس بها، أو صراعات تُخلَق، وتمر بالبرامج التلفزيونية والمسلسلات، والأحداث والظواهر الفنية، وخلق منافسة بين (النجوم) وصولاً إلا خلق صراعات مذهبية وفِتَن طائفية، يلتهي الناس بها،

بل ينخرطون فيها بقوة، وينصرفون إليها بكلهم، فتصرفهم عن قضاياهم الأهم، وتضع مصائرهم بأيدي الطغاة والناهبين، وما جرى في العقود الثلاثة الأخيرة في العالَمَين العربي والإسلامي برهان على ذلك.

“مَنْ كَثُرَ لَهْوُهُ اسْتُحْمِقَ”

معادلة تعكس العلاقة الشرطية بين الإفراط في اللهو وضعف العقل والتدبير، واللهو، هو الانشغال بما لا فائدة فيه، أو بما يصرف الإنسان عن الأمور المهمة، ويُستخدم بمعنى اللعب، أو الانشغال بأمر غير ذي جدوى حقيقية، قال تعالى: “وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ…”﴿العنكبوت: 64﴾ في إشارة إلى ما قد يشغل الإنسان عن مقاصد الحياة السامية.

والاستحماق مأخوذ من “الحُمق”،

وهو نقص العقل وضَعف الرأي، ومعنى “استُحْمِقَ” في عبارة الإمام (ع) أنه أصبح أحمقاً لكثرة انشغاله باللهو، أي فقد صفاء التفكير ورجاحة العقل، وحين يصبح هذا حاله يصبر لقمة سائغة في فَمِ غيره، وأداة طَيِّعة في يده، يفعل به ما يشاء، ويأخذه إلى حيث يشاء، ويقتل به من يشاء وأنّى ومتى يشاء.

وكما يلاحظ قارئي الكريم فإن عبارة الإمام (ع) تقوم على العلاقة السببية بين اللهو وضَعف العقل، والذي بدوره يؤدي إلى استحماق اللاهي، وكلما زاد انشغال الإنسان باللهو غير النافع، قلّ إدراكه، وانحرف تفكيره، وتضاءلت قدرته على اتخاذ قرارات حكيمة.

إن العقل هو الميزة الأهم للإنسان، وعلى وجوده في الإنسان وعدمه يكلفه الله أو لا يكلفه، ويتحمَّل المسؤولية أو تسقط عن كاهله، العقل هو النُّور الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، به يعرف ربه، وبه يتعرَّف على الكون، ويكتشف ما أودع الله فيه من قوانين بديعة، وبه يلائم حركته مع تلكم القوانين ما يدفعه إلى التطور والتقدم والنمو، ويخفف عنه الكثير من الجهود والأعباء.

إن ذلك يوجب على الإنسان أن يحافظ على عقله، مُتَّقِداً نبيهاً، متيقظاً حاضراً، مُدركاً لما يحدث حوله، متجنِّبا كل ما يُضعفه أو يعطِّل دوره وحاكميته على أفعاله وأحواله وهذا ما أكَّدت عليه الأحاديث الشريف كثيراً.

لقد خلص الباحثون النفسيون إلى إن انغماس الإنسان في اللهو يقلِّل من قدرته على التفكير، لأنه يصبح مستهلكاً أكثر من كونه مفكِّراً مبدعاً منتجاً للأفكار، فحين يغلب الترفيه على الجد، يتكاسل العقل ويتضاءل نشاطه، وتتراجع قدرته على تدبير أموره، ويميل إلى الاعتماد على الحظ أو العواطف بدلاً من التأمُّل العميق والتفكير المنطقي، مِمّا ينعكس في ضعف القرارات وقلة الفهم، ويجعله أكثر عرضة للوقوع في الأخطاء.

وتشير دراسات حديثة في علم النفس إلى أن التعرُّض المستمر لوسائل الترفيه يؤدي إلى انخفاض الانتباه والتركيز، ويُضعف قدرة الإنسان على ضبط نفسه، وافتقاره إلى الحكمة في اتخاذ القرارات، إذ يصبح مدفوعاً بمبدأ “اللذة الفورية” بدلاً من التخطيط العقلاني.

إن الغرق في اللَّهو يؤدي إلى ضياع الإنسان وضياع مكتسباته، وإن إغراق المجتمع باللهو واحد من أهم الأساليب التي يعتمدها شياطين العالم اليوم للسيطرة على الشعوب، ونهب ثرواتها، والتحكم في مصائرها، وحَرِيٌ بأهل الأرض كلهم، لا سيما أهل منطقتنا أن يحرصوا على وعيهم وحضور عقولهم، واجتناب ما يلهيهم كي لا يضيعوا وتضيع أوطانهم، ودنياهم وآخرتهم.

فجر يوم الأربعاء الواقع في: 12/2/2025 الساعة (05:20)