المسلمون هم مصدر الذكاء الاصطناعي ولكن الجهل يحجب الحقيقة..بوصلة المواقف
جليل هاشم البكاء ||
لطالما كان التطور العلمي والتقني ثمرة للتراكم المعرفي والتبادل الثقافي بين الحضارات، وليس وليد لحظة عبقرية منفردة أو محض صدفة. ومع ذلك، فإن الجهل والتحيز قد يطمسان الحقائق، ويجعلان البعض ينسب الفضل لأطراف دون أخرى، متجاهلين الإسهامات الحقيقية لمن وضعوا الأسس التي بنيت عليها أعظم الاكتشافات والاختراعات.
الذكاء الاصطناعي.. هل هو حقًا اختراع غربي؟
في عصر التكنولوجيا الحديثة، يروج الكثيرون لفكرة أن الذكاء الاصطناعي هو اختراع غربي خالص، متناسين أن العلم لا يُولد من العدم، بل هو سلسلة مترابطة من الجهود والتجارب والأفكار التي تتراكم عبر الزمن.
ولو عدنا إلى الجذور، لوجدنا أن أسس الرياضيات والمنطق، التي تمثل العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، وُضعت على أيدي علماء المسلمين، وكثير منهم كانوا من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
العلماء المسلمون ووضع الأسس العلمية
يكفي أن نذكر اسم الخوارزمي، وهو عالم مسلم إيراني الأصل، وضع أسس علم الخوارزميات، التي تُعد جوهر الذكاء الاصطناعي.
ولا ننسى نصير الدين الطوسي الذي أسهم في تطوير الرياضيات والفلك، وابتكر العديد من المفاهيم التي استفاد منها العلماء الأوروبيون لاحقًا.
هؤلاء العلماء لم يعملوا بمعزل عن بيئتهم الثقافية والدينية، بل كانت تعاليم أهل البيت عليهم السلام مصدر إلهام لهم، بما تحمله من دعوة إلى العلم والتفكر والتأمل في خلق الله.
وفي العصر الحديث، لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون ذكر العالم المسلم الإيراني لطفي زادة، الذي يُعتبر الأب الروحي لـ “المنطق الضبابي” (Fuzzy Logic)، وهو أحد المفاهيم الأساسية في الذكاء الاصطناعي.
فقد أحدثت أبحاثه ثورة في كيفية تعامل الحواسيب مع البيانات غير الدقيقة أو غير المؤكدة، ما أدى إلى تطوير أنظمة ذكية قادرة على التعلم والتكيف، وهو جوهر الذكاء الاصطناعي الحديث.
الجهل والتعصب يمنعان الاعتراف بالحقيقة
على الرغم من هذه الحقائق، فإن كثيرين يتجاهلون دور الحضارة الإسلامية في بناء المعرفة الحديثة. ليس لأن الأدلة غير موجودة، ولكن لأن الجهل والتعصب الأعمى يمنعان البعض من رؤية الصورة كاملة.
بل إن بعض المتحاملين لا يكتفون بإنكار الحقائق، بل يسخرون من أي محاولة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ظانين أن الاعتراف بفضل العلماء المسلمين يقلل من شأن الحضارة الغربية الحديثة.
الاستنتاج: لا فخر إلا بالعلم
إن الذكاء الاصطناعي، كما هو الحال مع أي تقدم علمي، لم يكن ليحدث دون تراكم المعارف وتفاعل الثقافات. والقول بأن الغرب اخترعه من الصفر هو تجاهل للتاريخ، وإنكار لفضل علماء المسلمين الذين وضعوا اللبنات الأولى.
لكن لا عجب، فقد اعتدنا على أن الحقيقة غالبًا ما تُحجب في عالم تحكمه المصالح والأهواء.
لكن الحقائق تبقى، والتاريخ لا يُمحى، وسيأتي يوم يُنصف فيه العلم وأصحابه، ويُعترف بفضل من سبقوا، لأن الشمس لا تُغطى بغربال، والعقلاء وحدهم يدركون أن العلم هو ميراث الإنسانية جمعاء، وليس حكراً على أحد.