الثلاثاء - 25 مارس 2025
منذ شهر واحد
الثلاثاء - 25 مارس 2025

أمين السكافي ـ صبدا ـ لبنان ||

منذ خلق الله آدم والحرية كلمة وفعل يتردد بين بني البشر ولطالما قامت ثورات وتحركات شعوب لأجل نيل حريتها ،

فالحرية لا تأتي وحدها بل يصحبها الكثير من التضحيات والدماء والعرق والجهد ودموع الثكالى ،على أن هنالك لغط بين الحرية الحقيقية وبين الحرية المزيفة فالحرية الحقيقية هي التي تبدأ طريقها من الإنسان نفسه،

بأن يتحرر من كل الأفكار التي تقيده وتجعله يرتقي بطريقة تفكيره إلى مصاف النخبة التي تستعمل عقلها الذي وهبها الله إياه ،

وذلك قد يكون من خلال تجارب حياتية أو قراءات معينة تجعل آفاقه تتوسع ليبحر في محيط المعرفة ،

وقد يكون من خلال صحبة معينة إستطاع الإستفادة من تجاربهم الحياتيه أو الأدلجة ضمن أطر حزب من الأحزاب التي تركز وتحترم الثقافة قبل البندقية .

أما الحرية المزيفة فهي التي تقيد الإنسان بقيود الماضي والأفكار البالية أو التي تجعله يظن أن خلاصه قد يكون داخل هذا القطيع أو ذاك، والأمثلة كثيرة في هذا المضمار فالحرية قد لا تكون دائما في الكثرة العددية بل العكس هو الصحيح فالله قال كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ،

وهنا قد يكون خلاصة فكرية توصلك للحقيقة ولو إضطررت للوقوف في وجه مجتمع كامل يظن أنه يمتلك الموقف الصحيح والحقيقة المطلقة ،وهو في داخله يعلم علم اليقين أن ما يحمله من معتقدات إنما فرضتها عليه الظروف المحيطة به ، لتوجهه كيفما تشاء وبناء عليه يصبح أسيرا لمواقف لا تمت للحرية الفكرية بالدرجة الأولى ،

ولا للحرية الشخصية بالدرجة الثانية وتجعله على خلاف بين ما فرض عليه إتباعه من آراء وبين ما هي الحقيقة المطلقة التي لن يستطيع الوصول إليها إلا بالخروج من الأسر الفكري الذي يقيده .

لماذا الحرية لأنها الباب الذي يفتح أمامك صفات كثيرة فهي لا تأتي وحدها بل يرافقها الكرامة والصدق وكلمة الحق والسعي الدوؤب لأجل التغيير نحو الأفضل، كما أنها تخرجك من سياسة التمذهب والتطرف والتعصب إلى فضاء أرحب يستطيع به عقلك أن يحسن إختيار موقفه الإنساني والشرعي والقومي ،

والحرية أمر مكتمل الأركان فالحرية تبدأ منك لتنتقل إلى محيطك الأصغر فالأكبر على أن حريتك ومهما كانت كلفتها فلا يجب أن تكون شاذة ،بحيث تؤثر سلبا على حرية وحقوق الآخرين وكلما أستطعت أن تبتعد عن المشاكل الموجودة في منطقتك أو محيطك كلما كانت الصورة أوضح وأشمل .

ولنأخذ أمثلة على ما قصدنا فاليوم هناك مجموعة تدعي حمل راية الإسلام وتطبيقه في سوريا، إستطاعت بقدرة قادر وفي غفلة من التاريخ القضاء على النظام السابق وأقامت حكمها الذي من المفترض أنه يرتكز على الدين المحمدي الأصيل ،

ولكن نراها تذهب بإتجاه فتح جبهة والسعي لقتال من يقاتل الكيان في الوقت الذي كان الكيان يتمدد داخل الأراضي السورية ولكنهم لم يروا الكيان لقصر النظر الذي لديهم أم لأنهم لا يريدون أن يروه ،

ولكن وفي نفس الوقت يهاجمون ضيعا في السلسلة الشرقية آمنة مطمئنة لم تهاجمهم أو تدخل الأراضي السورية، فهنا كيف يستقيم الحال لإناس يدعون حمل ثقافة الإسلام ويتركوا الصهاينة محتلي أرضهم ، ويتوجهوا للقتال بالنيابة عن الكيان ضد مجموعات هي على عداء مع الكيان الذي كبد غزة وحدها خمسون ألف شهيد .

الدول التي تدعي العروبة وهي لا تملك شيئا من صفاتها هذا القطيع المؤلف من أربعمائة مليون عربي، إجتمعوا بغالبيتهم على أن ينسوا أو يتناسوا الكيان المغتصب لأرض عربية وقرروا أن موقفهم هو الصحيح،

في حين خرجت فئة قليلة منهم تناقض رأيهم وتدعوا للكفاح ضد من أحتل أرضا زورا وبهتانا فأين الحق في هذا مع مجموع القطيع أم الفئة القليلة التي خرجت عن الإجماع، وقررت من نواحي إنسانية وإسلامية وعربية فعل شيء لرفع الظلم عن أخوتهم في فلسطين المحتلة،

ليست العددية الكبيرة هي مقياس الحق أو الباطل بل حريتك فيما تختاره من موقفك تجاه أي قضية تعرض عليك، فالحر والذي كان في جيش السلطة الأموية قارن عندما شارفت المعركة على البدأ بين أن يكون مع الجيش الأموي البالغ تعداده ثلاثين ألفا وبين مخيم الأمام الحسين والذي هو وأصحابه دون المائة رجل،

فأختار الحسين وأن يستشهد دونه فهنا تتجلى حرية إتخاذ القرار الصائب بأبهى تجلياتها ،بغض النظر عن العدد والعتاد وما الذي سيحصل المهم أن تكون متصالحا مع نفسك ولا تتردد في إتخاذك للموقف الصحيح مهما كان الثمن والتضحيات .