الإنتفاضة الشعبانية: ملحمة شعبية هزّت أركان الاستبداد..!
د. عامر الطائي ||
لم تكن الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت في العراق عام 1991 مجرد حدث عابر في سجل التاريخ، بل كانت زلزالاً هائلاً زعزع دعائم الطغيان، وفتح الأبواب المغلقة أمام قوى المعارضة الوطنية التي كانت تكافح في الظل.
كانت انتفاضة أبناء الجنوب والوسط، انتفاضة العراقيين الذين ذاقوا الويلات من حكم صدام حسين، إعلاناً صريحاً بأن الشعب، مهما طال ليله تحت سطوة الاستبداد، لا بد أن ينتفض يوماً مطالباً بحريته وكرامته.
لقد كانت هذه الانتفاضة المباركة صرخة شعبية خرجت من قلوب أنهكها القمع، لكنها لم تكن مجرد صرخة في الفراغ، بل منحت قوى المعارضة زخماً لم تعرفه من قبل.
فلأول مرة، وجد العالم نفسه أمام شعب يرفض الاستبداد لا ببيانات المعارضة في المنافي، بل بدمائه التي سالت في شوارع المدن العراقية، وبأصوات أبنائه التي هتفت في الأزقة والساحات، مطالبة بالعدل والحرية.
لقد كانت الانتفاضة الشعبانية نقطة تحوّل في مسار الصراع ضد النظام الصدامي، إذ أجبرت العواصم الإقليمية والدولية على إعادة النظر في مواقفها، ودفعت بالقضية العراقية إلى صدارة الاهتمام العالمي.
وإذا كان النظام قد رد على هذه الانتفاضة بالحديد والنار، فإنه لم يستطع أن يطمس أثرها أو يلغي تأثيرها في وعي العراقيين.
فكما أن النار تحرق من يعبث بها، فإن طغيان صدام لم يزد العراقيين إلا إصراراً على التحرر، ولم يزد العالم إلا قناعة بأن هذا النظام لا يمكن أن يكون شريكاً في السلام أو طرفاً في استقرار المنطقة.
إننا اليوم، ونحن نستلهم دروس الماضي، ندرك أن الشعوب لا تموت، وأن إرادة الحرية لا تُقهر. قد تُسحق الانتفاضات عسكرياً، لكنها تبقى مشتعلة في الضمائر، حتى تأتي لحظة الانفجار الأكبر.
وهذا ما رأيناه لاحقاً، حين كان انتفاض شعب العراق هو الفصل الأخير في مسيرة الطغيان، وهو النهاية الحتمية لكل طاغية يتوهّم أن القوة وحدها تكفي لحكم الشعوب.
سلامٌ على شهداء الانتفاضة الشعبانية، وسلامٌ على كل يد رفعت السلاح في وجه الطغيان، وعلى كل صوت هتف ضد الظلم. فالتاريخ لا ينسى، والحرية لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعاً من بين أنياب المستبدين.