الثلاثاء - 25 مارس 2025

ليلة النصف من شعبان هي ليلة البهجة/ ذكريات الزمن الجميل..!

منذ شهر واحد
الثلاثاء - 25 مارس 2025

د. محمد علي الحريشي ||

عندما كنت أدرس المرحلة الإعدادية في مدينة الزيدية بمحافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، عشت ذكريات وتجليات ليلة البهجة(النصف من شعبان)

في تهامة اليمن (على ساحل البحر الأحمر ) توجد طقوس خاصة بليلة النصف من شعبان يسميها سكان تهامة «محافظة الحديدة» بليلة البهجة.

تنتعش فيها الاسواق الشعبية من بعد الظهر حتى ساعات الفجر الأولى وتصنع مأكولات شعبية خاصة بليلة النصف من شعبان، كل الناس «نساء ورجال صغار وكبار» ترتدون ملابس جديدة والفرح والسرور على ملامح الجميع،وكل واحد لسان حاله يقول ليلة البهجة،ليلة البهجة،

لم أكن في البداية أعرف مامعنى ليلة البهجة وجدت صعوبه حتى فهمت معناها بعد ماكررت السؤال على عدد من الزملاء،لأن الرد كان يأتيني ويقولوا هي ليلة البهجة،لأنني جئت من بيئة جبلية ريفية مغلقة (محافظةالمحويت) الى محافظة الحديدة لأواصل دراستي،

وبعد صلاة المغرب حتى وقت صلاة العشاء يجتمع الكبار.والصغار في المساجد وعدد من الفقهاء يرددون مابين صلاتي المغرب والعشاء أدعية خاصة بليلة النصف من شعبان تردد بصوت جماعي جهوري بألحان جميلة وهي منظومة عبى هيئة أبيات شعرية رجزية رباعية الأشطار وتقفل بقافية موحدة في الشطر الخامس،

بعد صلاة العشاء يقوم منصب المدينة ( من أسرة هاشمية لديه قدر من العلم والوجاهة» بعمل وليمة عشاء كبيرة يذبح فيها الأغنام يتناول العشاء اكبر عدد من الناس، ثم يجتمع الحضور في مكان عام يسمى المبرز وهو المجلس الكبير في بيت المنصب يتولى المنصب قراءة المولد وعدد من الأدعية وبجانبة ثلة من الفقهاء ومشايخ المدينة وكبار التجار،

وفي المساء تستمر الأسواق التي يرتادها الشباب حتى قرب الصباح وهناك ترتسم في الأذهاب طقوس روحانية تعطي للقمر حجم أكبر من حجمه وتعطي له أضواء باهية زاهية خاصة لا تكون الا في ليلة النصف من شعبان.

حتى حركة الغيوم في السماء وهبات النسيم كلها حركات محسوبة تحركها بركات ليلة البهجة وكراماتها وتشد إليها الأنظار وخاصة الأطفال الصغار الذين يتخيلون إنها بركات ليلة البهجة تنزل من السماء إلى الأرض،

لقد عشت تجليات تلك الحظات الروحانية المفعمة عندما كنت أدرس في المرحلة الإعدادية في مدينة الزيدية بمحافظة الحديدة وكنت أركض مع الأولاد فرحا بليلة البهجة وأذهب الى المسجد لنسمع دعاء ليلة الشعبانيةالذي يؤدية مجموعة من الفقهاء وعلى رؤسهم العمائم البيضاء التي تعلوها الهيية والوقار وبعد صلاة العشاء نركض الى مبرز المنصب لنحضر وجبة عشاء دسم باللحوم والعسل البلدي.

وبعد العشاء توزع كؤوس العصائر وفناجين القهوة وبعدها نذهب الى شوارع المدينة وعيوننا شاخصة نحو السماء تراقب حركات النجوم وتطاير الشهب وتلألؤ ضوء القمر الزاهي وفجأة تأتي أصوات من هنا وهناك من بعض الشباب تقول هاهي البهجة تنزل من السماء على أشكال نسائم باردة وهكذا تمضي اللحظات حتى الصباح عندها تنتهي ليلة البهجة ونذهب الى نوم عميق حتى ظهر اليوم التالي عندها نصحو على ضوء يوم جديد.

لكنه خالي من البهجة والروحانية التي عشنا أجمل لحظاتها.
هكذا كان لليلة الشعبانية قدسية خاصة تمتزج فيها الروح مع الجسد في توحد روحاني عميق تتوق فيه النفوس وتشرأب نحو السماء تتأمل في ملكوت الله الواسعة.