جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ ساءَ تَدْبيرُهُ بَطلَ تَقْديرُهُ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ ساءَ تَدْبيرُهُ بَطلَ تَقْديرُهُ”
معادلة تربط بين سوء التدبير وبطلان التقدير، والتدبير معناه: التنظيم، والترتيب، وإدارة الأمور بحكمة واتقان، والتقدير معناه: اختيار الأهداف والغايات وتقديرها ووضع الخِطط التي تتيح تحقيقها، وبكلمة أخرى توضح المعنيين: التقدير هو أشبه ما يكون بوضع التصاميم من قبل المهندس المتخصِّص، والتدبير هو تنفيذ تلك التصاميم من قبل الفني المتخصِّص.
ومِمّا لا شك فيه أن حُسنَ التقدير يجب أن يتبعه حُسنُ التدبير كي تتحقق النتيجة المطلوبة، فإذا كان التقدير حَسَناً، أي كانت المُخطّطات والتصاميم حَسَنة، وكان التدبير (التنفيذ) سيّئاً فلا قيمة للتقدير،
بل كأنه لم يكن، وعليه فتكون المعادلة هي: من أساء التدبير أبطل التقدير وأفقده أهميته وقيمته.
ما سبق تؤكده التجربة الإنسانية الطويلة وفي مختلف الميادين، إن سُوء التدبير لا يفيد مع حُسنِ التقدير، فالفرد الذي لا يُحسِنُ تدبير أموره لا يمكنه أن يحقِّق غاياته مهما كانت عظيمة وشريفة، والفرد الذي لا يُحسِنُ تدبير أمواله لا يمكنه أن ينجح في مشاريعه مهما كانت طموحة وأمواله كثيرة، والأُسرة التي لا تُحسِنُ تدبير شؤونها هي أسرة فاشلة ولو كانت خططها سليمة،
وهكذا الشأن في القضايا الكبرى، فالقائد الذي يُسيء إدارة الدولة يهدمها ولو كانت قوية ومنيعة ومتماسكة، والقائد العسكري الذي لا يُحسِنُ تطبيق خططه العسكرية الرئيسية أو البديلة يُهزَم ولو كانت خططه ممتازة وقدراته كبيرة.
إن التاريخ مليء بالشواهد على ما تقدم، وفي تاريخنا الإسلامي أمثلة كثيرة على ذلك، ففي معركة بدر الكبرى كان التخطيط ممتازاً، والالتزام بالخطة ممتازاً أيضاً، الأمر الذي جعل المسلمين على قِلَّتهم ينتصرون على المشركين الذين كانوا يفوقونهم عدداً وعتاداً،
بينما في معركة أُحُدٍ التي هُزِم فيها المسلمون هزيمة كادت أن تقضي عليهم جميعاً، كان السبب الأهمُّ فيها عدم الالتزام بالخطة التي وضعها رسول الله (ص).
إن ذلك يكشف عن العلاقة العميقة والضرورية بين التخطيط والتقدير، وبين التدبير وحسن الأداء، فلا يصلح أحدهما دون الآخر، الأداء الجَيّد من دون تقدير جَيِّد لا يأتي بنتائج إيجابية، والتخطيط الجَيّد دون أداء جَيّد لا يأتي بنتائج إيجابية.
من هنا نرى مثلاً ضرورة الالتزام الكامل بالشريعة الإلهية التي سَنَّها الله تعالى للبشر كطريق يبلغ بهم الغايات التي خلقهم الله لأجلها، فالشريعة وإن كانت مكتملة، وصحيحة، بل هي أفضل شريعة للبشر، لكنها لا تؤتي أكلها إلا بالإلتزام الكامل بها، فإذا كان هناك اجتزاء منها، أو تطبيق نسبي لها، فمن الطبيعي ألا تتمكّن من الارتقاء بالإنسان وحل مشاكله.
نستنتج مِمّا سبق التالي:
أولاً: ضرورة الانسجام التام بين التقدير والتدبير.
ثانياً: أن يمتلك الشخص المُؤهّلات والمَهارات التي يَقدِر معها على تنفيذ ما تم تقديره والتخطيط له، وهذا يقتضي أن يتم اختيار الشخص المناسب للمهمة الي ستوكل إليه.
ثالثاً: ضرورة الأخذ بالأسباب، فالتدبير الحَسَنُ لا يكون إلا بالأخذ بالأسباب، وذلك يقتضي معرفة الأسباب، وهي لا تُعرَف إلا بالعلم والتجربة.
رابعاً: أن يواكب ما تقدّم بالتوكل على الله تعالى، فإن الله مع المتوكلين.
خامساً: إن الفرد الذي لا يحدد لنفسه أهدافاً ولا يرسم خطة لتحقيقها ففشله محتوم، حتى ولو كانت آماله عظيمة.
ولعل قائلاً يقول: إن بعض النجاحات تحصل بالصدفة رغم سوء التخطيط.
أقول: أن يحصل ذلك صدفة أمر لا ينكَر، لكنه استثناء وليس قاعدة، وما نراه صدفة قد يكون ناشئاً من تقاطع أسباب أخرى نجهلها، وهذا لا يغني عن ضرورة أن يتطابق حسن التدبير مع حسن التقدير.
فجر يوم الأحد الواقع في: 9/3/2025 الساعة (04:50)