شهر رمضان كرامة الانسان الخاصة..!
■ الشيخ محمد الربيعي ||
هناك كرامة عامة وهناك كرامة خاصة، فالكرامة العامة هي التي قال عنها عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾
ما من إنسان إلا أعطيناه كرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ .
هذه كرامة عامة.
الكرامة العامة كرامة تكوينية: أن أعطي الإنسان الإرادة، فكل إنسان عنده إرادة، هذه كرامة تكوينية.
وكرامة تشريعية وهي قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ .
هذه كرامة للإنسان، فمن كرامته أن لا يُساء الظن به، ومن كرامته أن لا يُتجسس عليه، ومن كرامته أن لا يُغتاب، هذه يطلق عليها «كرامة تشريعية»، فعندنا كرامة تكوينية وهي الإرادة، وكرامة تشريعية وهي ما تحدثت عنه هذه الآية المباركة. وكلا الكرامتين التشريعية والتكوينية كرامة عامة، نحن لا نبحث عنها لأنها موجودة.
نحن نبحث عما ليس موجوداً، ألا وهو الكرامة الخاصة.
ما هي الكرامة الخاصة التي تتحقق في شهر رمضان ”وجعلتم فيه من أهل كرامة الله“؟
لاحظ أن هناك عدة آيات من القرآن الكريم ترشد إلى أنه هناك عناية خاصة من الله ببعض الناس، مثلاً: قوله عز وجل: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾.
لست أنت الذي ترمي ولكنه الله، كيف يسند الله العبد.
تأتي لآية أخرى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ .
كيف «الله» يأخذ الصدقات؟!
الصدقات يأخذها الفقير كيف «الله» يأخذ الصدقات؟
كيف نتصور أخذ الله للصدقات؟
هذا إسناد إلهي خاص.
إذن، هناك بعض العباد – بدون ملائكة وبدون وسائط – الله تبارك وتعالى بشكل مباشر يعنتي بهم، ويسبغ عليهم رحمته وحنانه ورأفته وكرامته، هؤلاء هم أهل كرامة الله، أما نحن باقي العباد فتنالنا الرحمة منه بوسائط: بوساطة الملائكة، بوساطة الطبيعة، بوساطة الكون،
لكن أهل كرامة الله تنالهم رحمته وعطفه بشكل مباشر، هو يأخذ الصدقات، هو يرمي ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ . هداية خاصة بشكل مباشر من الله تبارك وتعالى، هؤلاء هم أهل كرامة الله،
ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾. هؤلاء هم أهل كرامة الله، ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ .
العباد المكرمون من شملتهم عناية مباشرة من الله عز وجل، أنت في شهر رمضان من أهل كرامة الله، أنت في شهر رمضان تمطرك الرحمة الإلهية والعناية الإلهية بشكل مباشر ”وجعلتم فيه من أهل كرامة الله“. كيف جعلتم فيه من أهل كرامة الله؟
يفصّل: أنفاسكم… هذه مظاهر لكرامة الله ومظاهر لعناية خاصة به: ”أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول“ نفَس الصائم كما تعلم فيه رائحة لأنه إنسان جائع وعطش، هذا النفس الذي قد يتقزز منه الإنسان الآخر لأنه نفَس صادر عن معدة خاوية، هذا النفَس تسبيح، النفَس المقترن بالخشوع بالخضوع بالصوم الحقيقي، بالصوم المتصل بالله عز وجل،
هذا النفَس يتحول إلى تسبيح من خلال عناية الله ”أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة“. طبعاً النوم عن عبادة وليس النوم طول النهار. أنا أنام من الصبح إلى الساعة أربع، عبادة!! ما في أحسن من هذه العبادة، عبادة مريحة ومستأنس ومتاح. كلا، المقصود ب ”ونومكم فيه عبادة“ يعني النوم الذي يحصل عن العبادة، مارست العبادة إلى أن تعبت فنمت، قرأت القرآن إلى أن نامت عيني، قرأت الدعاء إلى أن نعست، صليت إلى تعبت فنمت، هذا النوم يتواصل، ألست كنت في عبادة؟
تظل العبادة متواصلة حتى بعد نومك ”ونومكم فيه عبادة“.
”وعملكم فيه مقبول“ قبول العمل منوط بالإخلاص والتوجه. أحياناً الإنسان يصدر منه عمل بدون توجه، كأن أكون جالس في السجد ويقرؤون الدعاء وقرأت معهم، لا أعلم ما الدعاء، ولست ملتفتاً للدعاء أبداً، أنا بالي مشغول: متى أطلع للعمل، وألقى رئيسي، وأتحدث معه، وأنا أقرأ الدعاء لكني لست مع الدعاء، هذا العمل ربما في غير رمضان غير مقبول، لأنه لا توجه فيه،
أما في رمضان فهو مقبول: ”وعملكم فيه مقبول“ وإن لم يكن عن توجه. ”وعملكم فيه مقبول“ هذا كرم الله تبارك وتعالى ” أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول.
”أيّها النّاس إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم“ حاول أن لا تعصي ربك، ألا تستطيع ان تضبط نفسك خمسة عشر ساعة عن المعصية؟!!
أنت الآن تضبط نفسك خمسة عشر ساعة عن الأكل فاضبط نفسك خمسة عشر ساعة عن المعصية، فما الفرق؟
أنت تشتهي أن تأكل وتضبط نفسك، وتشتهي أن تشرب وتضبط نفسك، أيضاً عن المعصية اضبط نفسك. لتكن لك إرادة أمام شهوة المعصية وغريزة الرذيلة، فإذا كانت لديك إرادة فأنت مع الأبواب المفتوحة للجنة، فاسألوا الله أن لا يغلقها بالمعصية.
”وأبواب النّيران مغلقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم“ لا تفتح لك باباً من النار، هذه المعصية الصغيرة باب من النار ”فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة، فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم“.
إذن حاذر حاذر أن لا تقع في وحل المعصية.
اللهم احفظ الاسلام و المسلمين
اللهم احفظ العراق و شعبه