صناعة الخطاب والحدث: مسلسل معاوية والواقع السوري الحالي..!
بهاء الخزعلي ||
*مقدمة: التاريخ يُعاد كتابته في خضم الأزمات، تُستحضَر النماذج التاريخية لصناعة خطاب يبرر الواقع أو يشكل وعي الجمهور. مسلسل “معاوية” الذي تناول سيرة مؤسس الدولة الأموية، لم يكن مجرد عمل درامي، بل أداة لفتح النقاش حول صراع الشرعيات والسلطة، وهو ما يتقاطع مع الواقع السوري اليوم. فكما استُخدم التاريخ لترسيخ روايات سياسية، تُستغل الأحداث الجارية في سوريا لصناعة خطاب دولي يهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية، بدءاً من الاتفاقيات الثلاثية (تركيا-أميركا-الكيان الصهيوني) إلى حجج حماية الأقليات.
*الاتفاق التركي-“الصهيوني”-الأمريكي: خرائط التقسيم وخيوط اللعبة معروفة حيث شهدت سوريا منذ 2011 حرباً وجودية، تحولت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي. أحد أبرز التطورات هو التنسيق الضمني بين تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، والذي يُنظر إليه كجزء من مخطط لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.
فتركيا، التي غزت شمال سوريا بدعوى مكافحة “الإرهاب”، تدعم فصائل معارضة تسيطر على إدلب وحلب واليوم تسيطر على سوريا. وفي الشمال الشرقي، تقوم القوات الأمريكية بحماية حقول النفط الفرات، بينما يسيطر الكيان الصهيوني على مواقع ومساحات جغرافية واسعة ومهمة .
هذا التنسيق الثلاثي لا يعكس مصالح متنافسة فحسب، بل أيضاً استراتيجية مُوحدة لتفتيت سوريا، عبر إضعاف وحدة الصف الإسلامي وخلق كيانات طائفية أو إقليمية. المشروع التركي في شمال سوريا، والدعم الأمريكي للأكراد سابقاً، والغايات الصهيونية في ضمان أمن حدودها، كلها عناصر تُجمِع على هدف واحد: تفتيت الدولة سورية.
*مجازر العلويين: السردية الطائفية وتجذير الصراع في خلفية هذا المشهد، تبرز المأساة الإنسانية للعلويين، الذين تحولوا إلى هدف للجماعات المتطرفة تحت ذريعة الانتقام من نظام الأسد. مجازر قُتل بها العشرات من المدنيين العلويين، على قرى الساحل السوري، تعكس تحويل الصراع السياسي إلى حرب طائفية.
هذه الأحداث لا تُستخدم فقط لتبرير العنف المضاد، بل أيضاً لتعميق الانقسام المجتمعي، مما يسهل على القوى الخارجية تقديم نفسها كـ”حماة” للأقليات. الخطاب الطائفي، بدعم إعلامي مكثف، يصبح أداة لتبرير التدخلات، تماماً كما استُخدمت الروايات التاريخية في مسلسل “معاوية” لتقديم قراءة معاصرة للصراع على السلطة.
*الكيان الصهيوني وحجة حماية الأقليات: الانتقال من التبرير إلى التوسع، منذ سنوات، يروج الكيان الصهيوني لسردية “حماية الأقليات” في سوريا، كالدروز والعلويين، من تهديدات “التطرف الإسلامي”.
لكن هذه الحجة تتناقض مع واقع الدور الصهيوني في تأجير الصراع، عبر دعم جماعات معارضة في الجولان المحتل، أو التنسيق الأمني مع فصائل معينة. فـ”الدفاع عن الأقليات” ليس سوى غطاء لتحقيق أهداف جيوسياسية، مثل إضعاف محور المقاومة، والتمدد في سوريا للسيطرة على منطقة الساحل السوري لمحاصرة سواحل لبنان لإستكمال مشروع الحيز البحري للكيان الصهيوني الذي أنطلق عام ٢٠١٨.
هنا تتجلى مفارقة تاريخية: فالكيان الذي قام على تطهير عرقي لفلسطينيي ١٩٤٨، يُقدم نفسه كحامٍ للأقليات، بينما يساهم في تفكيك دولة مجاورة!
*أهم الأهداف التي يريد تحقيقها الكيان الصهيوني عبر صناعة الخطاب والحدث.
1.خلق الفتنة الطائفية وتعميقها ونقلها ككرة ثلج من بلاد لأخرى لتسهيل عملية التقسيم.
2.تصدير الأسلام الأموي كواجهة إسلامية لمعرفته بما يخالف الأمويين في الدين الأسلامي وذلك يعطي صورة تجريمية للإسلام غير قابلة للتعاطف أبداً.
3.التقسيم يجعل الإسلام ضعيف والأجيال القادمة ستجد نفسها متقوقعة ضمن بيئة وفكر واحد كلاً بحسب طائفته سيرحب بأي فكرة جديدة تحل بديلاً لواقعه.
4.عندما يعلن عن الدين العالمي الجديد الذي سيولد في الشرق الأوسط ستذهب الأجيال مهرولة لأعتناقه الا ما رحم ربي، وهنا سيفهم الجميع لماذا كانت المدنية والعلمانية تقوم بتشويه الدين الإسلامي.
5.يحتاج الكيان الصهيوني والأميركان لأتمام المشروع السيطرة أقتصادياً على المنطقة، لذلك يحتاج للسيطرة على مناطق الساحل المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حيث أي بضائع تخرج من المنطقة بإتجاه أوروبا يجب أن تمر على تلك السواحل التي هي تحت سيطرة الكيان الصهيوني، لإخضاع المنطقة بالكامل لمشاريع الإبراهيمية كأتفاقات سياسية وأقتصادية ثم الانتقال لمرحلة الأبراهيمية الدينية (الدين العالمي الجديد يولد في الشرق الأوسط).
*خاتمة: صناعة الخطاب.. هل تُغيّر الواقع؟
العلاقة بين مسلسل “معاوية” والواقع السوري ليست مجرد تشابه درامي، بل هي نموذج لكيفية توظيف التاريخ والخطاب الطائفي لخدمة أجندات القوى الكبرى، فكما أعاد المسلسل قراءة الصراع بين معاوية وعلي (عليه السلام) لخدمة روايات حديثة، تُعاد كتابة الأزمة السورية اليوم عبر خطاب يُبرر التقسيم ويُعمق الانقسام،
فالجولاني لن يقال له أمير المؤمنين يوماً لأنه كان أمير المجرمين، كذلك بعد تخاذل أمة الملياريين عن واجبها تجاه غزة، في حين دفع الشيعة أغلى الأرواح من شهداء قادة وأفراد أنعكس على شعوب المنطقة وكشف حقيقة الإلتزام الشيعي بتعاليم الدين المحمدي الأصيل، ولأن الطرف الآخر أفتقد لشخصية من طائفته بشرط أن لا تكون مع محور المقاومة كالشهيد يحيى السنوار رحمه الله، لذلك كان من المهم دعم الجولاني والحديث عن الدولة الأموية وليس الدين الإسلامي المحمدي الأصيل،
فكان يجب الحديث عن دولة كرست حياتها لمعادات آهل البيت عليهم السلام، و بعد أن أكمل دوره على أتم وجه وسلم سوريا للكيان الصهيوني وأميركا وتركيا، أنتهت اللعبة وسيتم تصفيته، لذلك يجب أن يعي الملياريين أن الجولاني ليس معاوية ولن ينجب لكم يزيد، وأنصار الحسين عليه السلام أصبحوا ملايين الفرسان في الميادين، وهم من دافعوا عن سنة غزة المظلومين، وأن الإسلام بخطر أن لم يتوحد بكافة طوائفه.