صراع العمامة والمشاهير بين القيم والانحراف..!
كاظم الطائي ||
في زمن الانفتاح الرقمي، أصبح لكل فرد منبره الخاص، سواء كان داعية دينيًا أو مشهورًا على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن المشهد اليوم يشهد صراعًا غريبًا بين هاتين الفئتين، حيث باتت القيم والمبادئ تُختبر أمام سطوة المال والشهرة.
الظواهر الغريبة وانتشار الانحلال الأخلاقي
لم يعد مستغربًا أن نجد محتوى يعج بالابتذال، حيث يتسابق البعض إلى كسب المتابعين عبر أساليب تفتقر إلى أدنى درجات الاحترام، مستخدمين الفجور والكلام الفاحش كوسيلة لجذب الانتباه. وكأننا أمام وباء أخلاقي ينتشر بسرعة، يُروَّج له دون رادع، ويجد أرضًا خصبة بين الشباب الباحث عن الترفيه السهل والضحك المجاني، حتى وإن كان على حساب القيم والمبادئ.
المشايخ في دائرة الاتهام
على الجانب الآخر، كان من المتوقع أن يكون رجال الدين هم الحصن الحصين أمام هذا الانحدار، حيث يُفترض أنهم صوت العقل والفضيلة في المجتمع. غير أن الواقع كشف عن تحول بعضهم إلى جزء من هذه المنظومة، فأصبحوا ينافسون مشاهير الفجور بأساليب مشابهة، مع اختلاف طفيف في المحتوى. فبدلًا من التصدي للظواهر المدمرة، انجرف البعض وراء بريق الشهرة، يلهثون خلف المشاهدات والتفاعل، حتى لو كان الثمن هو فقدان رسالتهم الأصلية.
لقد شاهدنا بعض الدعاة يستخدمون أساليب الإثارة والمبالغة في الطرح، بل وصل الأمر ببعضهم إلى التلاعب بالمشاعر والعواطف لتحقيق أكبر قدر من الانتشار. وفي بعض الحالات، لم يعد الخطاب الديني وسيلة إصلاح بقدر ما أصبح وسيلة للتسويق الشخصي، حيث تختلط النصيحة بالتجارة، والوعظ بالاستعراض، فيفقد الكلام معناه الحقيقي.
بين الدعوة الحقيقية والاستعراض الديني
الفرق بين الداعية الحقيقي والمستعرض الديني بسيط لكنه جوهري. الأول يُخاطب العقول والقلوب بصدق وإخلاص، لا يسعى إلا لنشر الخير والهداية، حتى لو لم يكن ذلك رائجًا أو مربحًا. أما الثاني، فهو يحول الدين إلى مادة استهلاكية، يكيفها بحسب أهواء الجمهور، فيصبح حديثه أشبه بعرض ترفيهي أكثر منه نصيحة خالصة.
أين الحل؟
المشكلة ليست فقط في وجود هذه الظواهر، بل في صمت العقلاء عنها، واستسلام الناس لهذا الطوفان دون مقاومة حقيقية. الحل يبدأ بإعادة التوازن، عبر دعم المحتوى الهادف الذي يجمع بين القيم الأخلاقية والأسلوب الجذاب، دون تفريط أو إفراط. كما أن على الجمهور أن يكون أكثر وعيًا، فلا يمنح الشهرة إلا لمن يستحقها، وألا ينجرف وراء كل ما يُقدم له دون تفكير.
هنا يبقى السؤال الأهم: هل نملك الشجاعة لمواجهة هذا الانحراف؟
أم سنترك الساحة لمن يحولون الدين والأخلاق إلى سلعة رخيصة تباع في سوق المشاهدات والمتابعات؟