عن العلويين ..!
إيليا إمامي ||
في ليلة صيفية جميلة في العاصمة دمشق .. كنا مدعووين على العشاء في بيت أحد الشخصيات المحترمة من الشيعة .. ومع أطباق المكدوس والحمص بطحينة والفول المدمس بالثوم والزيت والزعتر .. كانت هناك أطباق ألذ بكثير .. وهي القصص الطريفة التي مر بها الأصدقاء السوريون .. وكانوا يحدثوننا عنها بكل أريحية.. وأغلبها قصص الختيارية (قصص الكبار في السن).
وكعادتي في تعكير الأجواء .. طرحت سؤالاً مزعجاً .. ماذا لو سقط بشار خلال هذه الأيام؟
اللافت في جوابهم .. أنه كان بهدوء شديد .. لم يخرجهم أبداً عن أجواء الابتسامة .. وقال (معزبنا) بكل هدوء .. (هلق نركب سياراتنا ونطلع عبيروت .. هدول الوهابية مجرمين بيدبحونا).
وبعد حوارات أخرى .. رجعت للسؤال (بحكم معايشتكم الدائمة للعلويين ما هي حقيقة عقيدتهم)؟
ورغم أن السؤال الأول كان عن مصيرهم .. والثاني عن جماعة أخرى لا تعنيهم .. لكن يعلم الله أن الأجواء كلها تغيرت .. وكأننا نستعد للدخول في معركة.
وفي لحظة واحدة وصوت واحد .. أجاب شخصان .. الأول سائق .. وقال مباشرة (كفار) والثاني موظف .. وقال مباشرة (إيه حاج مسلمين متلنا)..
ثم بدأ النقاش بينهما وكل منهما يدلي بحجتهم .. إلى أن أجبرهما صاحب الدعوة على السكوت وطلب مني تغيير الموضوع.
* هذه الحيرة حول موضوع العلويين وحقيقة معتقدهم ليست منحصرة في عوام الناس .. بل حتى العلماء ليسوا متأكدين من حقيقة الأمر .. لذلك تراهم لا يجزمون بضرس قاطع أنهم شيعة مثلنا في كل شيء.
ولكي أثبت لك ذلك .. وترى بنفسك عندما يتكلم علماؤنا عن العلويين .. لا يقولون بشكل حاسم أنهم مثلنا بكل شيء وبكل مجموعهم .. بل يضعون عدة احتمالات.
سأعطيك أربعة مشاهد .. وحاول أن تركز على هذا الجامع المشترك بينها:
١) مقطع فيديو للشيخ محمد كنعان دامت بركاته وهو يجيب على سؤال حول العلويين .. فيقول أنني لا أعرف الكثير عنهم .. ولكن بعضهم مثلنا وبعضهم ليسوا مثلنا بشهادة العلويين أنفسهم (والمفروض أن الرجل لبناني ويعرفهم أكثر منا بحكم القرب).
٢) مقطع فيديو للشيخ علي الكوراني رحمه الله (وهو لبناني كذلك) وهو يقسمهم بنفس تقسيم الشيخ كنعان .. فيقول أن بعضهم مثلنا وبعضهم ليسوا كذلك..
٣) محاضرة كاملة للشيخ مرتضى فرج (وأنصح جداً بالاستماع لها وهي مفصلة ورائعة) وهو كذلك يقول .. بعضهم وبعضهم .. وربما من خلال كلامه ستعرفون الصورة الكاملة.
أكرر (أسمعوها كاملة):
٤) كلام آية الله الشيخ جعفر السبحاني دام ظله .. في بحث العلويين من كتابه بحوث في الملل والنحل .. صرح بأن الغموض يكتنف معتقداتهم وأن الأجدر هو معايشتهم والأطلاع على كتبهم .. لا تقييمهم من كتب المخالفين التي تشنع عليهم.
وبالفعل فقد سافر الشيخ السبحاني دام ظله قبل ثلاثة عقود إلى بلدة مشقيتا في اللاذقية .. واجتمع بأحد كبار رجال الدين العلويين وهو الشيخ كامل حاتم .. وعقد معه جلسات مفيدة .. لكي يقف على حقيقة الأمر .. ومع ذلك فما نقله في موسوعته ونبه إلى أنه لن يعلق عليه يشكل 90% .. قياساً بما علق عليه بنفسه الشريفة.
ويعود السؤال مرة أخرى لماذا نبه الشيخ (مثل البقية أعلاه) أنه ناقل فقط ؟ والجواب لأنه أيضاً يشعر بعدم اليقين حولهم .. فلا يستطيع تبني كل الكلام .. رغم ميله إلى تشجيع الشطر القائل بأنهم مثل الإثني عشرية (كما سيأتي الحديث عن شطرين).
(لاحظ الصورة المرفقة).
وعلى كل حال سوف أشير إلى مجموعة محطات ربما تفسر لكم لماذا لم يحسم النقاش حول العلويين حتى اليوم:
١) إلى زمن الإمام العسكري عليه السلام لم يكن هناك شيء أسمه نصيرية أو علوية .. وكنا شيعة على ملة واحدة.
٢) بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام وإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه .. كان هناك وكيل من وكلاء الإمام العسكري يدعى (محمد بن نصير النميري) فأصابه الحقد وتمرد على سفراء الإمام المهدي عجل الله فرجه .. وادعى أن الامام المهدي غاب ولا وكيل له .. وأنه هو باب الإمام العسكري وصار ملعوناً لدى الطائفة الشيعية بالإجماع ( أكرر: أتفاق الشيعة بالإجماع وبدون مخالف).. لما تنباه من أفكار منحرفة وغلو وإلحاد.. رغم أن العلويين حتى اليوم يسمونه أبو شعيب محمد بن نصير عليه السلام .. باب الأمام العسكري!!
٣) وبالأمس عندما قلت أنهم فارقونا من زمن السفراء الأربعة كنت أقصد هذه النقطة أعلاه .. والشيخ مرتضى فرج سيكمل لكم بقية المعلومات فاسمعوا محاضرته .. لأن أهم نقطة ركز عليها هي مؤلفات (الحسين بن حمدان الخصيبي) وانتبهوا لهذا الإسم جيداً فهو مربط الفرس .. ويقاتل العلويون للحفاظ على مكانته لأنه أساس اعتقادهم.
يعني من سنة 260 هجرية .. افترقنا:
فرقة تبعت السفراء الأربعة .. ثم المراجع .. وهذه الفرق هي نحن ..
ولدينا قصص ملحمية عظمية في الدفاع عن تراث أهل البيت وحفظه من الغلو والانحرافات .. وقدمنا الدماء في هذا السبيل.
وفرقة تبعت المنحرف محمد بن نصير النميري الذي أخذهم باتجاه الغلو وزرع الألغام في تراث أهل البيت عليهم السلام .. ولديهم مرجعياتهم المستقلة ولا يعترفون بمرجعية الشيعة مطلقاً.
٤) ما ذهب إليه أغلب الباحثين من أن العزلة في الجبال بسبب ملاحقة الدول المتعاقبة لهم .. هي ما ولدت لديهم انحرافاً عقائدياً.. وفجوة عن بقية الشيعة .. فهذا التوجيه ليس كافياً .. نعم العزلة ساهمت في تفاقم الانحراف كما سيأتي .. لكن الانحراف بدأ من اليوم الأول عندما قبلوا بهذا المنحرف إماماً عليهم.
والشاهد أمامك .. فشيعة لبنان أقل عدداً من العلويين بكثير (حتى اليوم) وفي نفس المنطقة ما بين الجبل والساحل .. ومرت عليهم مجازر كبرى أشهرها مجازر (أحمد باشا الجزار) وأمثاله .. ومع ذلك بقي الصفاء والنقاء العقائدي في شيعة لبنان كما هو .. وخرج العلم من جبل عامل ليكون منارة في النجف عاصمة التشيع .. فالعزلة ليست سبباً كافياً لتبرير الفجوة العقائدية بيننا وبين العلويين.
5) إذاً كان هناك عاملان للفجوة بينهم وبين الشيعة الإمامية:
السبب الأقل أهمية: هو العزلة التي سببتها ضغوطات دولة المماليك ثم الدولة العثمانية (وأغلبها كانت حروب توسعية وليس مذهبية بحتة) وبسبب تواصل العلويين مع الصفويين فقد تعرضوا للتنكيل من العثمانيين.
السبب الأهم: هو قدرة الخصيبي ومن بعده من التأثير عليهم باتباع مذهب النميري لعنه الله.
وبقي هذا الحال .. وبقي اسمهم النصيرية من سنة 1500م إلى سنة 1920 تقريباً .. حيث صارت بعدها هناك حركة داخلية في المجتمع العلوي قسمته إلى شطرين ..متساويين في القوة والتأثير تقريباً:
الشطر الأول: شطر حاول تصحيح المسار .. وأول ما بدأ بتغيير إسم النصيرية إلى علوية (فهو إسم حديث كما ترى) وبدأ الاقتراب كثيراً من الشيعة الإمامية الإثني عشرية .. باعتبار أننا نؤمن بمشتركات كثيرة تصل إلى حد الإيمان بالأئمة الإثني عشر .. فلا معنى لبقاء مجموعة من الأفكار المنحرفة في كتب العلويين تمنعهم من الاندماج مع بقية الشيعة (يعني بأن هذا الشطر مستعد للتضحية بجزء من تراثه العلوي لأجل الانسجام مع بقية الشيعة).
وفي هذه الحالة سيكون حالهم حال الإخبارية (مثلاً) الذين لا يختلفون عنا إلا بقضايا جزئية وما يتفرع عنها من مسألة اتباع المراجع الأصوليين.
وهذا الشطر هو الذي ينادي الشيخ السبحاني (وكلنا معه) بدعمه ومساعدته ليقود العلويين نحو التصحيح .. والإنصاف أنهم منذ 80 سنة ثابتون على هذه المحاولات بالكتابة واللقاءات مع علماء الشيعة والزيارات وغيرها .. ولكنهم لم يكتسبوا الزخم الكافي إلا في العقود الأربعة الأخيرة .. ببركات الإمام الخميني قدس سره .. وثورته الإسلامية التي غيرت الكثير من المعادلات.. ثم تضاعف هذا الزخم بسبب حرية الإعلام والتواصل الذي سمح لهم بالتعبير عن أنفسهم.
الشطر الثاني: شطر ما زال حريصاً على تراثه الخصيبي والنميري .. يعتبر أن هذه المحاولات مبالغ فيها .. وتسبب ضياع تراثهم وهويتهم ..
والحق أنهم فعلاً في ورطة .. فكيف يتقاربون مع الشيعة الذين يلعنون المنحرف النميري ويتهمونه بالإلحاد .. بينما هو عندهم إمام وباب للإمام ولا يذكرون اسمه إلا ويقولون عليه السلام !!
لذا تراهم يحاولون تأويل النصوص وجمع المتخالفات قدر الأمكان .. ومن هنا يأتي عدم الوضوح والضبابية في تصريحاتهم وعقائدهم.
بل رأيت مؤخراً أنهم (تعبوا) من كثرة التأويلات وأصبحوا يتكلمون بصراحة أن بقية الشيعة هم المنحرفون (يعني نحن) لاتباعهم الحساد (يعني علماونا) والسفراء.
بمعنى ان سماحة الشيخ السبحاني هو من يجب أن يترك حوزته ويلتحق بهم !!
وسأنقل لكم سطوراً مختصرة جداً من كلام أحد علمائهم .. يقول:
* وسأذكرُ مثالاً من أقوالِ هؤلاء الحساد للسيد محمد بن نصير بن بكر النميري عليه السلام والمدعين، يُثبتُ ما وَقَعُوا فيه من تَنَاقضِ، فالمدقِّقُ في كتبِ الرجالِ المتناقضةِ لأبي جعفر والكشـي وابن الغضائري وابن داؤد والحلي …
* ومما يؤكد كذب الحساد والسفراء ….
* قال عليه السلام : (اشهدوا عليَّ أنَّه ما بدا لله في أبي الخطابِ حُجَّةِ جعفر الصادق (ع)، وأن محمد بن نصـير حجَّتي إلى أن يقبضَهُ الله). (وهذا الاقتباس كارثة لمن يعرف من هو الملعون أبو الخطاب بس أكرر جماعتنا ماااا يقرووون).
* قال السيد أبي شعيب عليه السلام (يعني النميري) قال ابو محمد (يقصد الإمام العسكري عليه السلام) : (محمد بن نصـير حجَّتي على الخلقِ، كلُّ ما قالَ عني فهو الصَّادق عليَّ)….
* فجميعُ كُتُبِهِ وَدَلائِلِهِ وتوقيعاتِهِ (يعني الإمام المهدي عليه السلام) كما ذكرَ السـيد الخصـيبي عليه السلام في كتاب الهداية الكبرى كانت تخرجُ على يدِ السـيد أبي شعيب محمد بن نصـير النميري (عليه السلام).
وأصبح من الواضح لديكم انهم بهذا المعنى أسوأ حالاً من الحركات المهدوية المنحرفة .. وإن كانت شيعة اثني تشرية كما لا يخفى.
مرة أخرى أوصي بأمور:
١) الاستماع للمقاطع التي أرسلتها بهدوء وبدون توترات نفسية بسبب المذابح التي حصلت.
٢) أن نتذكر بأن باب الشيعة ليس مفتوحاً لكل من هب ودب ليدخل هذا في التشيع ويخرج ذاك منه .. هناك ضوابط وحدود إما أن تعرفها أو تصمت.
٣) المحاولات المشكورة لعلمائنا من أمثال الشيخ السبحاني دام ظله .. لاحتضان العلويين والتقارب معهم .. كانت الغاية منها أولاً وبالذات هي الدفاع عن كونهم مسلمين رداً على الحملات المغرضة بحقهم (ولا نختلف أنهم مسلمون) ثم التأكيد أنهم شيعة .. ليتوجه العالم الشيعي نحوهم .. وهذا ما يعمل عليه المخلصون حالياً والعتبات لها بصمة مشكورة في ذلك لمن يعرف تفاصيل عملها.
لكن هذا شيء .. ورهن مصير الشيعة بقرار المرجعيات العلوية شيء أخر .. وهو ما سأتكلم عنه في الجزء الثاني من المقال.
يتبع.