الثلاثاء - 25 مارس 2025

 الهداية والإضلال التكوينيين..!

منذ أسبوعين
الثلاثاء - 25 مارس 2025

الشيخ حسن عطوان ||

يقول عزَّ وجلَّ :

( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [ فاطر : 8 ]

قد يقال :

اذا كان الله سبحانه هو الذي يهدي مَن يشاء ويُضل مَن يشاء ، فلماذا يعذب الضال وهو الذي يُضله ؟؟

اذا كان الإضلال منه سبحانه ، فالإنسان مُجبر على الضلالة إذن ، فما ذنبه ليستحق العذاب ؟!

فالقـرآن الكريم يعتبر أنَّ الضلالة والهداية من الله سبحانه .
أي أنَّ الاثنين ينسبان له عزَّ وجلَّ .

يقول عزَّ وجلَّ :

( وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ البقرة : 213 ] .

ويقول ايضاً :

( وَ لكنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [ النحل : 93 ] .

🖋 الجواب :

الهداية : في اللغة تعني التوجيه والإرشاد .

وتنقسم إلى قسمين :

” بيان الطريق ”

و ” الإيصال إلى المطلوب ” .

و بعبارة أخرى : هداية تشريعية وهداية تكوينية .

ولتوضيح ذلك أقول :

تارة يُوصَف الطـريق للإنسان ، فهذا ما يُعَبَّر عنه بالهداية التشريعية .

وأخرى يُؤخَذ بـيده ليُوصَل إلى المحل المقصود ، وهذا ما يُعَبَّر عنه بالهداية التكوينية .

وبعبارة أخرى : في الحالة الأولى يُوضَح القـانون وشـرائـط سلوك الطريق للإنسان كي يعتمد على نفسه فـي الوصول إلى المقصد والهدف .

أما في الحالة الثانية ، فإضافة إلى ما جاء في الحالة الأولى ، فإنَّه تُزال المـوانـع المـوجودة ، وتُحَل المشاكل ، ويُؤخَذ بيد الإنسان في سلوك الطريق حتى الوصول إلى مقصده النهائي .

والهداية التشريعية التي هي ” بيان وإراءة الطريق ” من قبل الله سبحانه للإنسان عامة وشاملة للجميع ، ولا توجد فيها أية قيود وشروط .

يقول تعالى :

( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إمّا كَفُوراً ) [ الإنسان : 3 ] .

و يقول أيضاً :

( وَ إنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ الشورى : 52 ] .

نعم ، الهداية التكوينية منه سبحانه للإنسان التي تعني إيصاله الى الكمال المطلوب ، والأخذ بيده في كل منعطفات الطريق ، وحفظه وحمايته من كل الأخطار التي قد تواجهه في تلك المنعطفات حتى إيصاله الى ساحل النجاة ، فهي ليست شاملة بل مقيدة بشروط .

وكذا الضلالة المقابلة لتلك الهداية فهي تخص مجموعة من الناس ذُكرتْ أوصافهم في القرآن الكريم .

ورغم وجود بعض الآيات التي تتحدث عن الهداية و الإضلال التكوينيين بنحو مطلق ،
إلّا أنَّ هناك الكثير من الآيات الأخرى التي تُبَيّن أنهما مشروطان بشروط .

و الآيات المطلقة تفسرها الآيات المشروطة ، فلمعرفة رأي القرآن الكريم حيال موضوع معين لابد من جمع كل الآيات مدار البحث لتفسر بعضها بعضاً .

يقول تعالى :

( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ) [ البقرة : 26 ] .

و هنا يتضح أنَّ الفسق – أي عدم إطاعة أوامر المولى – هو مصدر الضلال .

ويقول سبحانه :

( وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 258 ] .

و أيضاً :

( وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) [ البقرة : 264 ] .

وفي هاتين الآيتين اعتبر القرآن الكريم إنَّ الظلم و الكفر مقدمتان للضلال .

و في آية أخرى :

( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) [ غافر : 28 ]

أي إنَّ الإسراف والكذب من مقدمات الضلالة .

القرآن الكريم في هذه الآيات يؤكد :

على أنَّ الضلالة الإلهية تنصب على كل مَن أتصف ب : ( الكفر ) و ( الظـلم ) و ( الفسـق ) و ( الكـذب ) و ( الإسراف ) .

وعلى هذا فليس الإضلال من الله سبحانه لإنسانٍ ما اعتباطياً .

بل للكفر والظلم و نحوهما آثار تلاحق الإنسان شاء أم أبى ، وتؤدي به إلى الضـلال ؛ ولأنَّ الله سبحانه علة العلل ومُسَبِّب الأسباب ، فيصح أنْ ينسب الإضلال له جلَّ وعلا .

وبعبارة مفصّلة :

شاءت إرادة الله سبحانه أنْ يخلق الإنسان مختاراً ، فإذا أختار الكفر أو الظلم أو الفسق أو الكذب أو … فلن يمنعه الله سبحانه قهراً .

وبما أنَّ هذه الأفعال و الصفات مقدمات للضلالة ؛ لذلك صحتْ نسبة إضلال الإنسان المتصف بذلك لله سبحانه .

هذا فيما يتعلق بالضلالة .

أما فيما يخص الهداية :

فقد وردت في القرآن الكريم شروط وأوصاف تُبَيّن أنَّ الهداية لا تقع من دون سبب وليست إعتباطاً و من دون حكمة .

و قد ذكرتْ آياتٌ كثيرة بعض الصفات التي تجعل الإنسان مستحقاً للهداية ومحاطاً باللطف الإلهي .

يقول جلَّ وعلا :

( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ المائدة : 16 ]

إذن فإتباع أوامر الله عزَّ وجلَّ ، و كسْبِ مرضاته يهيئان الأرضية للهداية الإلهية .

و يقول عزَّ وجلَّ :

( قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) [ الرعد : 27 ] .

إذن فالتوبة والإنابة تجعلان الإنسان مستحقاً للهداية .

ويقول ايضاً :

( وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) [ العنكبوت : 29 ]

فـالجهاد في سبيل الله – سواء كان في قتال خالص لوجه سبحانه ، أو كان جهاداً للنفس ، أو كان صبراً على طلب علم ، أو تحملاً لمصاعب حياة – هو من الشروط الرئيسية للهداية .

وايضاً :

( وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) [ محمد : 17 ] .

أي ؛ إنَّ قطع مقدار من طريق الهداية هو شرط للإستمرار فيه والإستزادة بلطف الله عزوجل ، حيث يتولى الله سبحانه المهتدين فيزيدهم ، إذ للهداية مراتب .

نستنتج من ذلك :

أنَّه لو لم تكن هناك توبة وإنابة من العبد ،
ولا إتّباع لأوامر الله سبحانه ، ولا جهاد في سبيله ، ولا جهاد للنفس ، ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طريق الحق ، فإنَّ اللطف الإلهي قد لا يشمل ذلك العبد ، وقد لايأخذ المولى بيده لإيصاله الى الكمال المطلوب .

وعليه :

فلا إضلال شخصٍ يكون بدون مقدمات وإستحقاق .
ولا هداية شخصٍ تكون كذلك .

الهداية و الإضلال التكوينيان لا يكونان إلّا بعد إستحقاقٍ من الشخص لأيٍ منهما ،
ولكلٍ منهما شروط .

نعم الهداية التشريعية شاملة للجميع .

نسأله سبحانه أنْ يوفقنا لنكون على إستعداد لتقبل هدايته ، وشمولنا برحمته ، فهو أرحم الراحمين .

أرجو ألّا تنسوني بدعائكم .

[ حسن عطوان ]

https://t.me/+dfbSHH50x3c1MjE6