الثلاثاء - 25 مارس 2025

المواجهة المحتملة بين تركيا وإسرائيل في سوريا..!

منذ أسبوعين
الثلاثاء - 25 مارس 2025

ناجي الغزي  ||   كاتب سياسي

مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا في مرحلة جديدة من الصراع، ليس فقط داخلياً، ولكن على المستوى الإقليمي أيضاً. بعد عقود من الصراع السوري الداخلي، أصبحت ساحة المواجهة مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية تسعى لإعادة تشكيل البلاد وفقاً لمصالحها.

ومع انسحاب النفوذ الإيراني وتراجع الدور الروسي، برزت تركيا كقوة رئيسية في سوريا، مدعومة بفصائل مسلحة محلية وقوات عسكرية فعالة، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشدة.

فتركيا ترى في سوريا امتداداً لنفوذها الاستراتيجي، وتسعى إلى تحقيق مصالحها هناك عبر عدة أهداف رئيسية، تشمل إعادة اللاجئين السوريين، ومنع قيام كيان كردي مستقل على حدودها، والاستفادة من عملية إعادة إعمار سوريا.

من ناحية أخرى، تنظر إسرائيل بقلق إلى صعود تركيا في سوريا، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تشكيل جبهة جديدة تهدد أمنها، خاصة مع احتمال دعم تركيا لجماعات قد تتبنى نهجاً أكثر عداءً تجاه إسرائيل. وهكذا، وجدت الدولتان نفسيهما على مسار تصادمي غير مسبوق في التاريخ الحديث.

تركيا: الأمن القومي والحدود الجنوبية

منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تعاملت أنقرة مع الملف السوري من منظور أمني يهدف إلى حماية حدودها الجنوبية من التهديدات الإرهابية، لا سيما من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK).

كما دعمت أنقرة الفصائل المعارضة للأسد، وسعت إلى إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري لضمان عدم قيام كيان كردي مستقل على حدودها.

إضافة إلى ذلك، تعتقد تركيا أن استقرار سوريا يجب أن يكون ضمن إطار يحمي مصالحها الاستراتيجية، ويمنع القوى الأخرى، مثل إيران، من تعزيز نفوذها في المناطق التي تحظى أنقرة بنفوذ فيها.

ولذلك، دخلت تركيا في سلسلة من العمليات العسكرية، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، لتأمين المناطق الحدودية ومنع التهديدات المتزايدة.

إسرائيل: احتواء النفوذ الإيراني

على الجانب الآخر، تتبنى إسرائيل نهجاً أمنياً يعتمد على استهداف مواقع إيران وميليشياتها في سوريا. فبالنسبة لإسرائيل، يمثل الوجود الإيراني في سوريا تهديداً وجودياً، حيث تخشى أن تستخدم طهران سوريا كقاعدة متقدمة لنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وتوسيع نطاق عملياتها في المنطقة.

ولذلك، كثفت تل أبيب ضرباتها الجوية ضد مواقع الحرس الثوري الإيراني وحلفائه، مثل حزب الله والميليشيات العراقية، التي تشكل محور المقاومة الإسلامية المضادة لاسرائيل، في محاولة لمنع تمددهم الاستراتيجي.

تعتقد إسرائيل أن إضعاف سوريا ومنعها من استعادة قوتها المركزية يخدم أهدافها الأمنية، لذلك قامت بتدمير البنية العسكرية والأمنية والمواقع الاستراتيجية العسكرية، حيث يقلل ذلك من مخاطر نشوء تهديد عسكري منظم على حدودها الشمالية.

وبذلك، تحاول تل أبيب إقناع واشنطن بالإبقاء على العقوبات ضد دمشق، وعدم السماح بعودة النظام السوري إلى الساحة الدولية دون تقديم تنازلات تتوافق مع المصالح الإسرائيلية.

تصادم الأجندات التركية والإسرائيلية

رغم أن المواجهة بين تركيا وإسرائيل في سوريا ليست مباشرة، إلا أن تضارب مصالحهما يجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.

فعلى سبيل المثال، تعتبر إسرائيل أن التوسع التركي في الشمال السوري يمنح الإسلاميين المدعومين من أنقرة موطئ قدم قد يتحول لاحقاً إلى تهديد لأمنها، خاصة مع احتمال صعود قوى جديدة قريبة من حركة حماس أو جماعات أخرى تعتبرها تل أبيب تهديداً لأمنها القومي.

من ناحية أخرى، ترى تركيا أن الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع إيرانية داخل سوريا تزيد من زعزعة استقرار البلاد، مما قد يؤدي إلى عودة ظهور الجماعات المسلحة في المناطق التي تسعى أنقرة إلى تأمينها.

كما أن تحركات إسرائيل الهادفة إلى الحفاظ على ضعف الدولة السورية قد تتعارض مع الجهود التركية الرامية إلى إنشاء حكومة مستقرة في دمشق، تكون قادرة على التعامل مع التهديدات الإرهابية وضمان الأمن الحدودي.

الدور الأميركي والتوازن الإقليمي

تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في المعادلة السورية، حيث تؤثر سياساتها في تحديد مسار الصراع بين تركيا وإسرائيل. فعلى الرغم من العلاقات القوية بين واشنطن وتل أبيب، إلا أن أنقرة، بوصفها عضواً في الناتو، تحتفظ بأهمية استراتيجية تجعل من الصعب تجاهل مصالحها.

ولذلك، تسعى إدارة البيت الأبيض إلى تحقيق توازن بين الطرفين، دون أن تتورط في مواجهة مباشرة قد تضر بعلاقاتها مع أي منهما.

في الوقت نفسه، تستفيد روسيا من التنافس بين القوى الإقليمية، حيث تسعى إلى تعزيز وجودها العسكري في سوريا من خلال الاحتفاظ بقاعدتي حميميم وطرطوس. كما تحاول موسكو استغلال الخلافات بين أنقرة وتل أبيب لصالحها، مما يجعل من الأزمة السورية ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية بين مختلف الفاعلين.

سيناريوهات المستقبل

في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن المواجهة غير المباشرة بين تركيا وإسرائيل في سوريا ستستمر في المستقبل المنظور، ما لم تحدث تغيرات جوهرية في السياسات الإقليمية أو الدولية. فتركيا لن تتخلى عن طموحاتها في الشمال السوري، كما أن إسرائيل لن تتراجع عن استراتيجيتها في احتواء النفوذ الإيراني.

وفي غياب حل سياسي شامل، ستبقى سوريا ساحة لصراع النفوذ بين القوى الإقليمية، مما يزيد من احتمالات استمرار حالة عدم الاستقرار.

ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن للطرفين إيجاد صيغة للتعايش الاستراتيجي في سوريا، أم أن الصدام بين مصالحهما سيؤدي إلى تصعيد جديد يعيد خلط الأوراق في المنطقة؟