عزة المسلمين في نصرة شعب فلسطين..!
القاضي حسين بن محمد المهدي ||
بسم الله الرحمن الرحيم
في العشر الأواخر من رمضان تزكو انفوس المؤمنين وتلتمس ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، يتنافسون على فعل الخيرات، واكتساب المبرات، ليتم بذلك تراحمهم، ويقوى ترابطهم، أنهم يشتركون جميعا في طاعة الله وتمجيده لترق قلوبهم بخشيته فيبتعدون عن التلبس بالمعاصي، أو الوقوع في المنكر، ويصونوا السنتهم عن التكلم بغيبة أو نميمة، أو شهادة زور، ويتحرون الصدق والأمانة وقوفا عند قول النبي عليه الصلاة والسلام “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”، فتحسن اخلاقهم وتستقيم أعمالهم.
فالصيام عامل قوي في تزكية النفس وتطهير البدن، واكتساب ملكة التقوى، فهو يربط المسلمين في كل اقطار الدنيا برباط روحي، رباطٌ يجعل من واجب كل مسلم أن يسارع إلى اغاثة اخوه المسلم ونصرته، خاصة عند حصول حرب على المسلمين.
فأين المسلمون في هذه الليالي المباركة من نصرة إخوانهم الذين يقتلون في فلسطين، وتسفك دمائهم، فقطيعة الرحم في شهر الصيام ظلم وعدوان أفلا يصغون إلى ماجاء به القران، فالله سبحانه وتعالى يقول:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ).
إن ما جاء به القرآن من عقائد الدين وعباداته، وأحكامه وتشريعه، وآدابه ومعارفه، وأخباره وقصصه، يدعو المسلمين كافة إلى الوقوف صفاً واحداً من أجل إنقاذ المستضعفين، ومحاربة المفسدين،
فصراع الصهيونية وقتالها بواعثه الاستيلاء على أرض المسلمين، ونهب ثرواتهم، والتلذذ بسفك دمائهم، ذلك ماتفعله الصهيونية في فلسطين.
مع أن القرآن الذي جاء به نبي الإسلام جاء لينقذ الإنسان من الشر، ويبعده عن الفساد، ويطهره من الرجس، ولينظم شؤون حياته الدينية والدنيوية، ويعالج كل أخطائه بالحكمة: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وكأن بعض المسلمين تناسوا ما لاخوتهم في فلسطين من حق، وحرية، ونصرة، وحماية، ونصح، ومحبة، ومعونة، وأنهم شركاء لهم في التكاليف، والمسؤولية والكفاءة والعدالة: “المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناه ”
فالإسلام جاء بقانون شامل، ودستور عام للفرد وللجماعة، يساير العقل والعلم، ويماشي سير الحياة، غير انما يحدث في فلسطين من سفك الدماء من قبل اليهود، ومداجاتهم من قبل زعماء الصهيونية في أمريكا ممن اساءو إلى أمريكا وتاريخ البشرية كلها، أمر يندى له جبين الاحرار في كل أنحاء العالم،
فكيف يؤيد البيت الابيض الصهيونية ويعينها على سفك الدماء والانغماس في الفساد، ترى فأين رجال القانون في أوربا و أمريكا من هذا العته والفساد؟!
إن من يتصرف في مال غيره ويقاتله عليه قد بلغ الذروة من الانحطاط والفساد، فالسفيه الذي لايدرك الرشد في تصرفاته، والمعتوه: الذي يضطرب في أعماله لا يدرك التمييز بين الخير والشر في كل الشرائع والقوانين يحجر عليه ويمنع من التصرف، ويحكم بأن تصرفاته باطلة. فأين الشعب الأمريكي والأوروبي من هذا التصرف الأرعن
فالشرائع والقوانين إنما جاءت لصيانة الحقوق، وتنظيم شؤون الحياة، فأين رجال القانون، وأين رجال الفكر ؟ مما يجري في فلسطين من اراقة دماء الأطفال والنساء والشيوخ؟
إن إقرار مثل هذه الجرائم والسكوت عنها ينذر بطامة كبرى تهلك الحرث والنسل وتقضي على الحضارة في أمريكا وأوروبا وغيرها، فهذا القرآن الحكيم يقول ظهر(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
ان زوال الحضارة القائمة على الظلم وافولها قادم لا محالة ان لم يتراجع هولاء عن ظلمهم وبغيهم فالله سبحانه وتعالى يقول: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ).
ان غضب الرحمن وذلته انما ضربت على أسلافهم لعصيانهم وعدوانهم كما أخبر بذلك الرحمن: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّـهِ … ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ)، ألا يتعظ هؤلاء بمن مسخ قردة وخنازير من أسلافهم لكفرهم، وظلمهم، وتعديهم، وعصيانهم، كما أخبر بذلك العليم الحكيم: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
إن هذه الغطرسة والكبر والاستعلال نذير شؤم علبهم، فهلاك الأمم الماضية والقرون الخالية بسبب ظلمهم (فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
والذي يدعو إلى العجب هو أن رجال الفكر والقانون في أمريكا وأوروبا لم يرفعوا أصواتهم في وجه هذا الاستكبار والطغيان الذي يقوده ساسة الصهيونية، ويصرح كبيرهم ترامب بأنه مع إسرائيل في سفك دماء أبناء غزة، فكأنه يرمز إلى فرعون ويقتدي به الذي استخف قومه فاطاعوه، كما أخبر عنه بذلك القرآن (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ). ترى فما الذي حدث بعد ذلك؟ هل غرق فرعون وحده؟ القرآن يجيب عن ذلك (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلاً لِلْآخِرِينَ).
فندعو كل من لديه أخلاق إنسانية في أوروبا وأمريكا والعالم كله أن يقف مع الشعب الفلسطيني المظلوم قبل أن تحل بهم قارعة من عذاب الله.
وننصح من طبع أو يهرول للتطبيع وراء هؤلاء الصهاينة للتراجع فلن يحصلوا إلا على كارثة إنسانية، وفاجعة ربانية.
ألم يدركوا بعد أن هولاء الصهاينة يصفونهم بالحيوانات التي تحلب وتذبح، فماذا ينتظرون سلخ اجسادهم، أو نهب أموالهم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
الشكر الجزيل لمن وقف مع الشعب الفلسطيني من أحرار العالم، وأبناء الأمة الإسلامية، وأبناء يمن الإيمان والحكمة، وقائد المسيرة القرآنية: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.