مجد الحياة أمي..!
ريما فارس ـ لبنان ||
الأم هي الحاضنة الأولى للإنسان، وهي التي تزرع فيه القيم والمبادئ، وهي التي تصنع الرجال القادرين على حمل الرسالة، سواء في العلم أو الجهاد أو خدمة المجتمع. فليس غريبًا أن يكون للأم مكانة عظيمة في الإسلام، حيث جعل الله برّها مقرونًا بعبادته في أكثر من موضع في القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًۭا﴾
وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) تأكيد عظيم على فضل الأم وضرورة برّها. فقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن أعظم الحقوق، فقال: “أعظم الحقوق واجب عليك، حق أمك”. وسُئل عن سبب ذلك، فقال: “لأنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدًا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحدًا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك”.
الأم هي التي تصنع أجيالًا تقاوم، فهي التي ربّت السيدة زينب (عليها السلام)، التي وقفت في وجه الظلم، وحملت راية كربلاء بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين (عليه السلام). وهي التي أنشأت الخنساء التي قدّمت أبناءها الأربعة شهداء في سبيل الله، وعندما بُشّرت باستشهادهم، قالت: “الحمد لله الذي شرّفني باستشهادهم”.
لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكرر ثلاث مرات “أمك، ثم أمك، ثم أمك” عبثًا، بل ليؤكد أن الأم هي التي تُنشئ الأبطال، وهي التي تصنع الرجال، وهي التي تغرس في الأبناء حب الدين والأرض والشرف، وهي التي تكون وراء كل مقاوم وكل عالم وكل صاحب مبدأ. فالرجل الذي لا يعرف حق أمه، لا يمكن أن يعرف حق وطنه ولا أمته.
ومن برّ أمه، كُتب له الخير في الدنيا والآخرة، وقد جاء رجل إلى النبي (ص) وقال: “يا رسول الله، إني رغبت في الجهاد معك، فقال له: ألك أم؟ فقال: نعم، فقال: إلزمها فإن الجنة تحت رجليها”. فالجهاد الحقيقي يبدأ من برّ الأم، لأن برّها طريق لرضا الله، ورضا الله طريق للفلاح في كل الميادين.
أما من يعقّ أمه، فقد حذّر النبي (ص) من سوء عاقبته، فقال: “ملعون، ملعون من عقّ والديه”. ومن يُحرم من بركة دعاء أمه، فإنه يُحرم من الخير الكثير، لأن دعاءها مستجاب، وهو باب من أبواب الرحمة التي قد تُفتح أو تُغلق حسب برّ الإنسان أو عقوقه.
وإذا أردنا أمةً قوية، فعلينا أن نبدأ من الأم، فإذا كانت الأم صالحة، خرّجت أبناءً أحرارًا، وإذا أهملنا الأم، ضاعت الأجيال، ووهنت الأمة. فالأم هي الأساس، ومن برّها، فاز في الدنيا والآخرة.
تحية لكل أم تنبض بالحياة، تزرع الحب والتضحية في قلوب أبنائها، وتمنحهم القوة والحنان بلا مقابل. وألف رحمة ونور على الأمهات اللواتي رحلن، تاركات خلفهن إرثًا من الدعاء والذكرى الطيبة، ورحمة الله تحفّ أرواحهن في جنات النعيم.