الاثنين - 28 ابريل 2025

السياسة الأمريكية في عهد ترامب: بين التقارب مع روسيا والغموض تجاه إيران..!

منذ شهر واحد
الاثنين - 28 ابريل 2025

كاظم الطائي ||


تشهد السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب تحولًا ملحوظًا، حيث تعكس التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارته توجهًا جديدًا نحو إعادة ترتيب الأولويات والتحالفات على الساحة الدولية.

ويبدو أن هذه السياسة ترتكز على مبدأ البحث عن حلفاء أقوياء قادرين على تحقيق مصالح واشنطن، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها التقليديين في أوروبا.

رفض خطة كير ستارمر ودلالاتها

أثار رفض المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، لخطة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بشأن تشكيل قوة دولية لدعم وقف إطلاق النار في أوكرانيا جدلًا واسعًا. فقد وصف ويتكوف هذه الخطة بأنها “موقف وتظاهر”، معتبرًا أنها رؤية تبسيطية للأزمة المعقدة.

ويعكس هذا التصريح تحولًا في الموقف الأمريكي من دعم أوكرانيا إلى تبني نهج أكثر تحفظًا، بعيدًا عن السياسات التي انتهجتها إدارة بايدن السابقة.

واللافت في حديث ويتكوف إشادته الصريحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث وصفه بأنه “ذكي للغاية” ورفض اعتباره “رجلًا سيئًا”.

هذا النوع من التصريحات يشير بوضوح إلى رغبة إدارة ترامب في تحسين العلاقات مع موسكو، على عكس النهج التصادمي الذي ميز الإدارة الأمريكية خلال السنوات الماضية.

التقارب مع روسيا: مصلحة أم تحول استراتيجي؟

تشير التطورات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة في عهد ترامب تسعى إلى إعادة تقييم علاقتها مع روسيا، مدفوعة بعدة عوامل استراتيجية.

يبدو أن واشنطن تنظر إلى أوروبا كقوة متراجعة لم تعد قادرة على لعب دور فعال في النظام الدولي.

وقد أظهرت الأزمات المتكررة، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأزمة الطاقة، مدى هشاشة الموقف الأوروبي. وفي هذا السياق، قد يكون التقارب مع روسيا محاولة أمريكية لاستبدال الشراكات التقليدية بتحالفات أكثر قوة وتأثيرًا.

مع تصاعد المنافسة مع الصين، قد ترى الولايات المتحدة أن بناء علاقات أكثر ودية مع روسيا يمكن أن يساعدها في تقويض النفوذ الصيني المتزايد وتقليل خطر تشكل تحالف بين موسكو وبكين يهدد المصالح الأمريكية.

تتبنى إدارة ترامب نهجًا براغماتيًا يقوم على تحقيق المصالح دون اعتبار كبير للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وهذا ما يجعل التقارب مع روسيا خيارًا منطقيًا إذا كان يخدم المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة.

إيران: معضلة السياسة الأمريكية

على الجانب الآخر، تبدو العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران أكثر تعقيدًا. ورغم وجود رغبة أمريكية في فتح قنوات تواصل مع طهران، إلا أن العقبات الأيديولوجية والسياسية تجعل هذا المسار محفوفًا بالتحديات.

تمتلك إيران العديد من عوامل القوة، مثل نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، وبرنامجها النووي، وشبكاتها من الحلفاء في المنطقة.

هذا يجعلها لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله، ما يفسر محاولات بعض الأوساط في إدارة ترامب التقارب معها.

يمثل الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل عقبة رئيسية أمام أي تقارب مع إيران. فتل أبيب تعتبر طهران تهديدًا وجوديًا، وأي خطوة أمريكية نحو المصالحة مع إيران ستقابل برفض إسرائيلي قاطع، ما يجعل هامش المناورة أمام إدارة ترامب ضيقًا.

هناك فجوة عميقة في فهم الولايات المتحدة لطبيعة النظام الإيراني، الذي يستند إلى مفاهيم دينية وأيديولوجية تجعل التعاطي معه أكثر تعقيدًا.

هذا الاختلاف الجوهري يعيق بناء علاقة مستقرة تقوم على المصالح المشتركة فقط.

ما الذي تسعى إليه إدارة ترامب؟

من الواضح أن إدارة ترامب تتبنى نهجًا أكثر واقعية في السياسة الخارجية، حيث لم تعد تعطي الأولوية للتحالفات التقليدية أو القيم الليبرالية.

ويبدو أن الهدف الرئيسي هو تعزيز المصالح الأمريكية من خلال بناء شراكات مع قوى صاعدة مثل روسيا، مع محاولة فتح خطوط تواصل مع إيران رغم العقبات.

ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل في طياته مخاطر كبيرة. فالتقارب مع روسيا قد يثير مخاوف حلفاء أمريكا في أوروبا الشرقية، بينما قد تؤدي أي محاولة للتقارب مع إيران إلى تصعيد التوتر مع إسرائيل وحلفائها في الخليج.

تشهد السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب تحولات جوهرية تعكس رؤية جديدة للعالم تقوم على البراغماتية والتخلي عن الالتزامات التقليدية.

وبينما تسعى واشنطن إلى بناء علاقات أقوى مع روسيا وربما إيران، فإن هذا المسار يطرح تساؤلات حول مستقبل النظام العالمي وما إذا كانت الولايات المتحدة تستعد لمرحلة جديدة من المنافسة والتحالفات غير التقليدية.