استثمار ما بقي من شهر رمضان بعد ليلة القدر..!
عبد الرحمن المالكي ||
يُعد شهر رمضان المبارك محطة روحية عظيمة للمؤمنين، حيث تفتح أبواب الرحمة والمغفرة، ويتوجه المسلمون، لا سيما أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، إلى الإكثار من العبادات والطاعات، طلباً للقرب من الله تعالى.
ورغم أن ليلة القدر تُعدّ ذروة العطاء الإلهي في هذا الشهر، إلا أن الأيام التي تليها تحمل فرصاً عظيمة للاستمرار في الأجر والثواب.
فمنظور مدرسة أهل البيت (ع) يؤكد على أهمية استثمار كل لحظة في هذا الشهر الفضيل حتى آخر يوم منه.
تؤكد الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن العشر الأواخر من رمضان ليست مجرد أيام عادية بعد ليلة القدر، بل هي امتداد للرحمة الإلهية، وفرصة لتدارك ما فات، وتثبيت الأعمال الصالحة التي اجتهد فيها العبد خلال الشهر. وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:
“إنما الأعمال بخواتيمها.” (الكافي، ج 2، ص 288)
وهذا يشير إلى أن حسن ختام الأعمال في رمضان له أثر كبير في قبولها.
رغم أن بعض المسلمين قد يتهاونون في الصيام والعبادة بعد ليلة القدر، إلا أن الروايات تحثّ على الاستمرار في الالتزام بالصيام حتى نهاية الشهر، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
“من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.” (وسائل الشيعة، ج 10، ص 307)
ويؤكد علماء الشيعة أن الصيام حتى نهاية الشهر يساعد على تحقيق التقوى الحقيقية التي هي الغاية الأساسية من هذه الفريضة.
وكذلك ورد عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال:
“ما كان الله ليفتح باب الدعاء ويغلق باب الإجابة.” (نهج البلاغة، الحكمة 337)
فحتى بعد ليلة القدر، يظل الدعاء وسيلة عظيمة لطلب المغفرة واستمرار الرحمة الإلهية. ومن الأدعية المستحبة في الأيام الأخيرة:
• دعاء الافتتاح
• دعاء السحر
• الاستغفار سبعين مرة بعد صلاة الفجر
فقد حثّ أهل البيت (عليهم السلام) على الصدقة، خاصة في الأيام الأخيرة من رمضان، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):
“صدقة الليل تطفئ غضب الرب وتمحو الذنب العظيم.” (الكافي، ج 4، ص 3)
كما أن زكاة الفطرة، التي تُخرج في نهاية الشهر، تعدّ تطهيرًا للصيام وإتمامًا لعبادة هذا الشهر.
ايضاً، تُعدّ ليلة عيد الفطر من الليالي العظيمة التي لا تقل شأناً عن ليالي القدر، ففي الحديث عن الإمام زين العابدين (عليه السلام):
“إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد.” (تحف العقول، ص 201)
لذا، من المستحب في هذه الليلة الإكثار من الدعاء والابتهال، وصلاة ركعتين بعد المغرب بنية القربى لله تعالى، وقراءة دعاء الوداع لشهر رمضان، الذي يروي مشاعر الافتراق عن هذا الشهر المبارك ويعبّر عن الشوق للقائه مجدداً.
وفي الختام، إن شهر رمضان كله فرصة روحية عظيمة، وليس فقط ليلة القدر، لذا ينبغي على المؤمن أن يواصل العمل الصالح حتى اللحظة الأخيرة منه.
فكما يؤكد أهل البيت (عليهم السلام)، فإن الأعمال بخواتيمها، وما بقي من رمضان بعد ليلة القدر هو فرصة لتعزيز التقوى، والاستغفار، والتصدق، استعداداً لاستقبال عيد الفطر بقلب نقي وروح مشرقة بنور الطاعة.
نسأل الله أن يجعلنا من الفائزين ببركات هذا الشهر العظيم، وأن يتقبل أعمالنا، إنه سميع مجيب.