الإعلام الفَيلي..التغييب القسري وصراع الهوية..!
حسام الحاج حسين ||
مدير مركز الذاكرة الفيلية
يُشتقّ مصطلح “الإعلام” من “العِلم”، فقد استخدمه العرب في سياق الخبر، حيث يُقال: “أعلمه إياه” أي جعله على دراية به.
ويُعرَّف الإعلام بأنه نقل الخبر، وهو في جوهره وسيلة لتزويد الجمهور بالمعلومات الدقيقة والحقائق الثابتة عبر مختلف الوسائل الإعلامية، سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة.
لا يمكن لأي مجتمع أن يعبّر عن مظلوميته، سواء كان شعبًا أو طائفة أو مكوّنًا، دون إعلام قويّ يعكس قضاياه ويؤدي دورًا في نشر الوعي وإحداث التغيير الاجتماعي لصالح الفئات المهمَّشة والمحرومة.
فالكلمة الإعلامية، حين تكون صادقة ومسؤولة تصبح سلاحًا يُسهم في تعزيز اليقظة وإرساء العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، فإن هذا المبدأ لا ينطبق على أكثر المكوّنات مظلوميةً في الشرق الأوسط، إذ لا يزال الإعلام مُستغلًا لخدمة أجندات سياسية ضيّقة، بينما تُغيَّب بعض القضايا العادلة عمدًا.
إن المكوّن الفَيلي يُعَدّ نموذجًا صارخًا لهذا التغييب الإعلامي، فرغم تاريخه الحافل بالتضحيات، لم يحظَ بمنبر إعلامي يُعبّر عن قضاياه، في وقتٍ تستغل فيه أطراف أخرى، كالأكراد والشيعة العرب والإيرانيين، مظلوميّتها لتحقيق مكاسب سياسية خاصة،
تكمن أهمية الإعلام في قدرته على التأثير في وعي الناس وسلوكهم، مما يجعل من الضروري توفير أدواته الحديثة لجميع فئات المجتمع، لضمان عدالة المعرفة، ومنع احتكارها لصالح جهات معينة على حساب أخرى.
لكنّ الإعلام الفَيلي يواجه تغييبًا متعمّدًا وقسرِيًا، إذ تسيطر عليه الأهواء السياسية والمصالح الفئوية، فيما تتلاشى المبادئ المهنية والأعراف الإعلامية.
لقد أصبح الإعلام اليوم ركيزة أساسية في نجاح أي مشروع يهدف إلى الحفاظ على هوية المكوّنات الاجتماعية، غير أن المكوّن الفيلي، رغم قوافل الشهداء التي قدّمها، لا يزال مُهمَّشًا إعلاميًا، بلا قناة فضائية تعبّر عن طموحات أبنائه.
لقد أخفقت النُخب السياسية التي تدّعي تمثيل الفَيليين في توفير مساحة إعلامية تليق بتاريخ هذا المكوّن، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، رغم القدرات الإعلامية الهائلة التي يملكها الطرفان، فلماذا لم يُمنح الفيليون منبرًا إعلاميًا يُجسّد هويتهم الحقيقية؟ هل يعود ذلك إلى حسابات طائفية ضيّقة، أم إلى سياسات إقصائية متعمّدة؟
إن المتتبع للوضع الإعلامي والثقافي الفَيلي، يُدرك بسهولة حجم التحديات التي يواجهها، حيث تتناحر التيارات الفكرية، وتتضارب الأيديولوجيات، ليجد الفَيليون أنفسهم، بكل مكوّناتهم النخبوية والثقافية والإعلامية، في قلب صراع يُهمِّشهم بدلًا من أن يُبرز دورهم.
إن تغييب الإعلام الفَيلي عن الساحة العراقية جعله مُجرّد ظِلٍّ لمشهد إعلامي يعجّ بالمصالح المتشابكة، مما دفع بالمثقفين الفَيليين إلى العيش على هامش المشهد الإعلامي، بعيدًا عن واقعهم المجتمعي، في بيئة إعلامية مشوّهة تكرّس الازدواجية في الطرح، وتخلط بين الفكر والمعرفة وفق أجندات بعيدة عن الإنصاف.