محاولات القوى الكبرى وأدواتها في محاربة التشيع..!
كاظم الطائي ||
يعدّ التشيع من أبرز المذاهب الإسلامية التي تتبنى قيم العدالة والمساواة، مستندًا إلى مبادئ أهل البيت (عليهم السلام). وهو مذهب يعارض الاستبداد السياسي، ويشجّع على مقاومة الظلم والطغيان. وقد شهد العالم الإسلامي تحوّلًا كبيرًا بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بقيادة الإمام الخميني (قدس سره)، حيث أعادت هذه الثورة إحياء الهوية الشيعية، وطرحت مشروعًا يرفض الهيمنة الغربية والشرقية على الشعوب المسلمة.
أثارت هذه التحولات مخاوف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الخليج التي رأت في التشيع خطرًا على أنظمتها. ومنذ ذلك الحين، بدأت هذه القوى باستخدام أدوات سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وإعلامية لمحاربة التشيع والحدّ من انتشاره.
يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على محاولات القوى الكبرى وأدواتها في محاربة التشيع من خلال دراسة المراحل المختلفة، بدءًا من الثورة الإسلامية في إيران، مرورًا بالأحداث في العراق، وسوريا، ولبنان، ودول الخليج، وصولًا إلى القضية الفلسطينية والموقف الشيعي الثابت تجاهها.
الفصل الأول: الثورة الإسلامية في إيران وتأثيرها على إحياء التشيع عالميًا
1. الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (1979):
شكّلت الثورة الإسلامية في إيران نقطة تحوّل تاريخية على الصعيدين السياسي والديني، إذ رفعت شعار “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية”، ورفضت التبعية للقوى العظمى. واستندت هذه الثورة إلى فكر أهل البيت (عليهم السلام) في مقاومة الظلم ونصرة المستضعفين.
أدى انتصار الثورة إلى إحياء التشيع في المنطقة والعالم، حيث أصبح الفكر الشيعي يُنظر إليه كحركة تحرّرية تواجه الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية.
2. مخاوف القوى الكبرى والخليجية:
أثارت الثورة الإسلامية مخاوف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ودول الخليج، حيث رأت هذه القوى أن التشيع يحمل مشروعًا سياسيًا يهدد أنظمتها.
أبرز المخاوف:
انتشار الفكر الثوري في الدول العربية والإسلامية.
تهديد مصالح القوى الغربية في النفط والطاقة.
تعزيز الهوية الشيعية في المنطقة، خاصةً في الدول ذات التواجد الشيعي.
3. أدوات محاربة التشيع بعد الثورة:
الحصار الاقتصادي: فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات قاسية على إيران لعزلها دوليًا.
الدعم العسكري: دعمت الولايات المتحدة والدول الغربية نظام صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) بهدف وقف انتشار الفكر الشيعي.
تشويه الصورة: شنت وسائل الإعلام الغربية والخليجية حملات دعائية لتصوير التشيع كمذهب متطرف وخطير.
الفصل الثاني: العراق بعد 2003 ومحاولات إسكات الصوت الشيعي
1. سقوط نظام صدام حسين وبروز الدور الشيعي:
بعد سقوط نظام صدام عام 2003، انتهى عهد القمع الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود. وأصبح الشيعة قوة سياسية واجتماعية فاعلة لأول مرة في تاريخ العراق الحديث.
برزت المرجعية الدينية في النجف الأشرف كعامل استقرار سياسي واجتماعي، وسُمح بإحياء الشعائر الحسينية التي كانت محظورة خلال عهد النظام البعثي.
2. محاولات القضاء على الحضور الشيعي:
الجماعات التكفيرية: ظهرت القاعدة وداعش بدعم إقليمي ودولي، مستهدفةً المراقد الشيعية والمرجعيات الدينية.
تفجير مرقد الإمامين العسكريين (2006): كان من أبرز محاولات إثارة الفتنة الطائفية واستهداف الشيعة في العراق.
الفصل الثالث: التشيع في الخليج ومحاولات القمع والتمييز
1. البحرين:
رغم أن الشيعة يُشكلون الأغلبية السكانية في البحرين، إلا أن النظام الملكي المدعوم غربيًا يمارس الإقصاء السياسي والتمييز الطائفي.
احتجاجات 2011: انطلقت احتجاجات سلمية تطالب بالعدالة والمساواة، لكن النظام قمعها بالقوة، مستعينًا بـقوات درع الجزيرة بقيادة السعودية.
2. السعودية:
يتركز الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، لكنهم يعانون من التمييز الممنهج في التوظيف والحقوق الدينية.
إعدام الشيخ نمر النمر (2016): أدى إلى تصاعد التوتر بعد مطالبته السلمية بحقوق الشيعة.
الفصل الرابع: لبنان ودور المقاومة الشيعية
1. ظهور حزب الله (1982):
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تأسس حزب الله كممثل للمقاومة الشيعية، وأصبح قوة إقليمية فاعلة تدافع عن السيادة اللبنانية وتدعم القضية الفلسطينية.
2. محاولات استهداف حزب الله:
الحصار الاقتصادي والإعلامي: تسعى الولايات المتحدة وبعض دول الخليج إلى تجفيف مصادر تمويل الحزب وتشويه صورته إعلاميًا.
الفصل الخامس: التشيع في سوريا وعودة نهج معاوية
1. العداء الطائفي في الحرب السورية:
أدى الصراع السوري إلى استهداف العلويين والشيعة من قبل الجماعات التكفيرية مثل داعش والنصرة، مدعومةً من دول الخليج وتركيا.
2. التدخل الإقليمي والدولي:
دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجماعات المسلحة بهدف إسقاط الحكومة السورية، مما أعاد للأذهان ممارسات معاوية بن أبي سفيان في محاربة أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
الفصل السادس: القضية الفلسطينية والموقف الشيعي الثابت
1. الشيعة والدفاع عن فلسطين:
منذ انتصار الثورة الإسلامية، اعتُبرت القضية الفلسطينية قضية مركزية، وتواصل إيران وحزب الله دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
2. ازدواجية المعايير:
رغم هذا الدعم الثابت، تتعرّض الشيعة لحملات تشويه من الدول التي طبّعت مع إسرائيل، في محاولة لإضعاف الصوت المقاوم.
الخاتمة:
تؤكد محاولات القوى الكبرى في محاربة التشيع أن الصراع ليس دينيًا فقط، بل هو صراع سياسي يسعى إلى إسكات الأصوات المقاومة التي تتبنى قيم العدالة ومناهضة الاستبداد.
يحتاج العالم الإسلامي إلى تعزيز الوعي والوحدة لمواجهة الطائفية والانقسامات. وكما قال الإمام علي (عليه السلام):
“الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.”
المصادر والمراجع:
1. الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية.
2. الشيخ عبد الحسين شرف الدين، المراجعات.
3. القرآن الكريم.
4. رصد ميداني لتطورات العراق وسوريا ولبنان.