ضرورة الأخلاق الطبية واعتمادها منهجًا في جميع المراحل..!
د. عامر الطائي ||
إنّ ميدان الطب، بما هو تعاملٌ مباشر مع الإنسان في أضعف حالاته، يُعدّ من أسمى ساحات تجلّي الأخلاق الإنسانية والدينية. وليس من المبالغة القول إنّ كل علمٍ طبيّ يخلو من رؤية أخلاقية واضحة، يتحوّل بسهولة إلى أداة للسلطة أو السوق أو العبث بكرامة الإنسان.
من هنا، فإنّ الأخلاق الطبية ليست مادّةً مكمّلة تُدرَّس في بداية المشوار الأكاديمي أو نهايته، بل هي منهجٌ تأسيسيّ يجب أن يرافق طالب الطب والممارس المهني في كل المراحل: في التعلّم، في التشخيص، في اتخاذ القرار، وفي التعامل مع المريض وعائلته، بل حتى في العلاقة مع الزملاء والمجتمع والبيئة.
الإسلام، في رؤيته التوحيدية للوجود، لا يفصل بين العلم والعمل، ولا بين المهارة والنية، ولا بين الكفاءة والمعنى. ولذلك، فإنّ إدراج الأخلاق الطبية في صلب المناهج التعليمية، وتفعيلها في الممارسة اليومية، ليس ترفًا تربويًا، بل هو مسؤولية شرعية وأخلاقية. فالعلم الذي لا يُقوَّم بالحقّ، قد يُستخدم في الباطل، والمهارة التي لا تسندها الفضيلة، قد تتحوّل إلى وسيلة للإضرار بالمخلوق المكرَّم.
نحن مدعوّون اليوم، في زمن هيمنة التقنية وتراجع القيم، إلى إعادة الاعتبار للبعد الأخلاقي في الطب، لا بوصفه مجموعة وصايا مثالية، بل كجزء لا يتجزأ من بناء شخصية الطبيب، وتكوين رؤية المجتمع نحو مهنة الطب، وتفعيل مبدأ الأمانة الذي هو من أوضح مصاديق “إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها”.
فهل يمكن أن نثق بطبّ لا يستبطن الرحمة؟
وهل يمكن أن نؤمّن أجسادنا وأرواحنا لعلمٍ لا يحمل في طيّاته حسّ المسؤولية الشرعية والإنسانية؟
الأخلاق الطبية هي الجواب