الأحد - 27 ابريل 2025
منذ 3 أسابيع
الأحد - 27 ابريل 2025

زمزم العمران ||

في كلّ عام الثامن من شهر شوّال تتجدّد أحزان محبّي وأتباع أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وهم يستذكرون الجريمة النكراء التي اقترفتها أيدي الطغمة الظالمة من أعدائهم ومبغضيهم، بهدمهم أضرحة وقبور أئمّة الهدى(عليهم السلام) وانتهاك حرمتها وقدسيّتها.

هدم قبور أئمة البقيع يشير إلى حادثة محاصرة المدينة سنة 1344هـ، حيث تم هدم أضرحة ومقبرة البقيع بفتوى علماء المدينة، وقاضي القضاة السعودي عبد الله بليهد، وعلى أثره هدمت مراقد أربعة من أئمة الشيعة: الإمام الحسن، والإمام السجاد،

والإمام الباقر، والإمام الصادقعليها السلام، وقد تكرر هذه العملية مرتين على يد الوهابية، الأولى سنة 1220هـ، والثانية سنة 1344هـ، معتمدين في ذلك على فتوى 15 مفتي من المدينة المنورة حيث أجمعوا على حرمة البناء على القبور وضرورة هدمها، وعليه فقد هدموا أماكن ومراقد البقيع. وقد أثار هدم قبور البقيع موجة غضب واحتجاجات في مختلف البلدان الإسلامية،

منها إيران، والعراق، وباكستان، والاتحاد السوفيتي السابق، ورداً على تدمير الأماكن المقدسة الإسلامية، أعلنت الحكومة الإيرانية في ذلك الوقت يوم حداد عام، ونتيجة لذلك، تم تأجيل الاعتراف بالدولة السعودية التي أُسست حديثاً لمدة ثلاث سنوات.

وتشير الوثائق والقرائن إلى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبر الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبته وبدأوا في محاولات مشبوهة للمساس بالقبر النبوي الشريف لكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار فيها، حيث أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (ص).

لكن تظاهر المسلمين في الهند ومصر وبعض بلاد أفريقيا وأقاموا المظاهرات المعادية للدولة قد أثار مخاوف البريطانيين من انفلات الأمر من أيديهم لهذا فقد اوعزوا إلى عميلهم العالم الوهابي أن يقول للناس إني رأيت البارحة رسول الله (ص) في المنام فأمرني أن اترك قبره،

فقلت يا رسول الله لماذا ؟

قال: لأن المصلحة في بقاء قبري إلى حين وبذلك أجاب عن الوهابيين الملتفين حوله الذين كانوا يقولون إن كانت القبور بدعة فلماذا بقاء قبر رسول الله (ص) وإن لم تكن بدعة فلماذا هدم تلك القباب الأخر للأئمة وأولاد النبي وأصحابه وزوجاته ومن إليهم ؟

وهذه القصة معروفة ومشهورة في أمر توقفهم عن هدم قبر وقبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يحنّون إلى العمل على هدمهما إلى الآن, لكن خشيتهم من العواقب الوخيمة لهذا العمل تحول دون ذلك ،

ولكن محاولاتهم الخبيثة والمشبوهة لا تنقطع فقد أفتوا بحرمة الإسراج (الإضاءة) عند القبور، ومنعوا الإسراج حتى عند قبر النبي الأكرم (ص) في عام 1346 هجرية، ثم تراجعوا عن ذلك بسبب كثرة البلبلة التي كان يحدثها الزوار والمناوشات التي كانت تحدث بينهم وبين الزائرين من مختلف بقاع العالم الإسلامي ،ألا إنهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الإسلامية.

إن الجهود التي بذلها علماء الشيعة والحكومة الإيرانية لبناء مظلة فوق قبور أئمة البقيع، وكذلك بناء جدار حول القبور، وعلى الرغم من الموافقة الأولية للحكومة السعودية، لم تؤت ثمارها أبدًا.

وقد كتب علماء الشيعة، بالإضافة إلى احتجاجهم على تدمير البقيع، مؤلفات تنتقد مباني الوهابية، وتدمير الأماكن المقدسة، ومنها كتاب كشف الارتياب تأليف السيد محسن الأمين ودعوة الهدى لمحمد جواد البلاغي ،وذُكر أن الوهابيين كانوا أول جماعة دمرت الأماكن الدينية، بناء على آراء مذهبهم.

وختاماً يبقى البقيعُ جرحاً لم ولن يندمل مهما مرّت اﻷزمنةُ وتعاقبت الدهور.. ويبقى شاهداً ماثلاً للعيان يروي ظلامة قادةٍ هداةٍ اختارتهم السماءُ ليُخرِجوا البشريّة من الظلمات إلى النور، فحاربتهم خفافيشُ الكهوف الظلاميّة وأبالسةُ بني آدم، فعمدت إليهم تشريداً وتقتيلاً ولمزاراتهم تهديماً، ولكنّنا على يقينٍ أنّ كلّ جرحٍ بعد جرح البقيع يأبى أن يُسكنه وينسى مرارةَ ألمه، مهما كان شديد الوطأة وهكذا هو الحال اليوم.