💎جواهر عَلَويَّةٌ: مَنِ اقْتَحَمَ لُجَجَ الأُمُورِ لَقِيَ الْمَحْذُورَ..!
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال”: مَنِ اقْتَحَمَ لُجَجَ الأُمُورِ لَقِيَ الْمَحْذُورَ..
هي معادلة يقررها الإمام (ع) تقوم على الربط بين التسَرُّع في الأمور والوقوع ن في المحذور، وفيها دعوة إلى الأناة والتروِّي، وضبط النفس، وأخذ الوقت الكافي لاستيضاح الأمور، وفهم الواقع فهما دقيقاً، قبل التدخل فيها، أو المباشرة بالأعمال، أو إصدار الأحكام،
إذ أنّ من اقتحم الأمور بتسرُّع، دون معرفة أو فَهم صحيح لها، وتدبُّرٍ في مآلاتها يقع في المحظور، ويُعرّض نفسه للمخاطر والسلبيات التي يتجنّبها.
مّا لا شك فيه أن التفكُّر والتدبُّر قبل اتخاذ القرار هو من علامات النُّضج العقلي والمعنوي في الإنسان الراشد الحكيم، بينما التسرُّع في الأمور دون تفكُّر وتدبُّر يُعَدُّ من سِمات الإنسان السفيه العجول، الذي يندفع وراء رغباته دون تفكير وإمعان نظر فيما يمكن أن ينتهي إليه، الأمر الذي يوقعه في الكثير من الأخطاء، وبعضها قد يكون قاتلاً.
ولذلك تدعونا التعاليم الدينية الراقية إلى ضرورة التفكير العميق في كل أمر نعزم على المباشرة فيه، والتدبر فيما يترتب عليه من عواقب ونتائج قبل الاقدام عليه، يدعونا الدين إلى ذلك لأنه لا يريد أن تكون منا أخطاء وانحرافات، ولا يريد لنا أن نقع في المحذور والمحظورات، بل يريد لنا قرارات صحيحة، وخيارات صائبة، وعواقب سليمة، وحياة آمنة مطمئنة، ولذلك ينهانا عن التسَرُّع والاستعجال،
فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “إنَّما أَهْلَكَ النّاسَ العَجَلَةُ، ولَوْ أنَّ النّاسَ تَثَبَّتوا لَمْ يَهلِكْ أحَدٌ” فالعَجَلة سواء كانت في الاختيار، أو في اتخاذ القرار، أو في المباشرة بالأفعال، هي سبب للهلاك والدمار، ولذلك جاء النهي عن العجلة في الحكم على الآخرين قبل التثبت من حالهم والتأكد مما نُقِلَ عنه،
فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال لأحد أصحابه: “يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَعْجَلْ في عَيْبِ أحَدٍ (عَبدٍ) بِذَنبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغفورٌ لَهُ” كما جاء النهي عن التسرُّع في تصديق ما يُقال عن هذا الشخص أو ذاك،
فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في كتابه لمالك الأشتر لمّا ولّاه مصر: “لا تَعْجَلَنَّ إِلى تَصْدِيْقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السّاعِيَ غَاشٌّ، وإِنْ تَشَبَّهَ بِالنّاصِحِيْنَ”.
إن اقتحام الأمور دون تفكير عميق، والتعجُّل في اتخاذ القرارات، وتصديق السُّعاة، وقبول ما يُنقَل ويُقال، يعكس عدم الاتزان العقلي والفكري والنفسي لدى الإنسان، حيث يفقد وعيه بحقيقة الأمور، ويجعله متعلّقاً بما فيه ضرره.
نستنتج مِمّا سبق أن على الإنسان كي يتجنَّب العواقب السيئة، ويحمي نفسه من الوقوع فيما يحذر ويخاف، أن يضبط نفسه عند مواجهة أي قرار أو موقف حساس، فيعطي لنفسه مهلة، ويمعِن التفكير في الأمر، ويستشير أهل العلم والخبرة، ومن الضروري وهو يفكر أن يفكر بطريقة نقدية.
أي أن ينقد نفسه وينقد قراراته كي تأتي متوازنة ودقيقة ومصيبة للواقع، وأن يدرب نفسه على التأنِّي، والتأمَّل، وممارسة عبادة التفكُّر اليوم وذلك بأن يقتطع لنفسه وقتاً يخلو فيه مع نفسه وربه ويتفكّر فيما يحب أن يتفكر فيه، وسيجد بعد برهة من الزمن كيف تمكن من السيطرة على فكره، والسيطرة على نفسه، وكيف صارت الأناة مَلَكَة أخلاقية فيه، ناهيك عن أن الجلوس وحده للتفكير بعيداً عن انشغالات الحياة اليومية، وبعيدا عن الناس يساهم في تجديد طاقته الفكرية والروحية والمعنوية.
إن معادلة: “مَنِ اقْتَحَمَ لُجَجَ الأُمُورِ لَقِيَ الْمَحْذُورَ” منهج حياة قائم على الاتزان والترَوّي في التعامل مع شؤون الدنيا والآخرة، الأمر الذي يساعد الإنسان على بناء حياة يسودها الأمن والاستقرار والنجاح والرضا.
فجر يوم الأربعاء الواقع في: 9/4/2025 الساعة (05:04)