الاثنين - 28 ابريل 2025

جواهر عَلَويَّةٌ: مَنْ لَمْ يَكْتَسِبْ بِالْعِلْمِ مالاً اكْتَسَبَ بِه جَمالاً..!

منذ أسبوعين
الاثنين - 28 ابريل 2025

السيد بلال وهبي ـ لبنان ||

📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَكْتَسِبْ بِالْعِلْمِ مالاً اكْتَسَبَ بِه جَمالاً”

العلم، ثم العلم، ثم العلم، لا شيء يتقدم عليه في الأهمية، ولا شيء يرتقي بمكانة الإنسان عند الله وعند الناس كالعلم، ولا يتطور مجتمع بغير العلم، العلم هو عماد كل شيء، به يبني الإنسان علاقته بالله، وبه يبني حياته الإنسانية.

فلا عجب أن يكون أول ما نزل على قلب رسول الله (ص) من القرآن الأمر بالقراءة وطلب العلم، لا عجب أن يكون أول خطاب يسمعه من الوحي المقدس كلمة “إقرأ” وإنه لحدث عظيم، يثير التفكير في مغزى هذه البداية غير المتوقعة،

فنحن نتوقع مثلاً أن يكون أول كلام يتكلم به الوحي مع محمد (ص) أن يقول له: يا أيها النبي، أو: يا أيها الرسول، أو: يا محمدُ إنا أرسلناك للناس رسولاً، أو سوى ذلك من الصِّيَغ، لكن أياً منها لم يُستَعمَل بل كان الخطاب.

هو: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿العلق: 5﴾ لقد أُعْلنَتْ نبُوة ورسولية محمد (ص) بهذا الخطاب،

بالأمر بالقراءة، أن تكون باسم الرب الذي خلق الخلق، وكوَّنه، وخلق الإنسان من علقة، وهي أول ما يبدأ به خلقه بعد تلقُّح البويضة مع الحويمن، ثم إشارة من الله لمحمد الذي كان أُمِّياً لا يجيد القراءة والكتابة، أن الله عَلَّم الإنسان بالقلم فهو مصدر العلم، هو الذي عَلَّم ويُعَلِّم الإنسان ما لم يَعْلَم، هو الذي أعطاه قدرة هائلة على التعلُّم والتعرف على المجهولات.

الحكمة في هذا الخطاب هي أن رسول الله (ص) باعتباره آخر واسطة بين السماء والأرض، وآخر رُسُل الله إلى بني البشر، ورسالته خاتمة الرسالات، وقد أوكل الله إليه بناء الحضارة الإنسانية الربانية التي تستمد مُثُلَها وقِيَمها من الله تعالى، هذه الحضارة لا يمكنها أن تقوم إلا على العلم، العلم الذي ينتمي إلى الله، الذي ينطلق من ربوبية الله للكون.

إن ذلك كله يؤكِّد المكانة العظمى للعلم في حياة الإنسان، ويؤكد أن العلم مصدر كل خير، وسبب كل نموٍّ وتطوُّرٍ، وهو زينة للفرد والمجتمع، ولذلك لا تجد شخصاً إلا ويحبُّ أن يوصَف بأنه عالم، أو ذو علم، ويكره أن يوصف بالجهل.

المعادلة التي بين أيدينا تضيء على جانب من بركات ومكاسب العلم فهي تقول: “مَنْ لَمْ يَكْتَسِبْ بِالْعِلْمِ مالاً اكْتَسَبَ بِه جَمالاً” فالمكاسب الدنيوية المادية التي قد يجنيها الإنسان من العلم إذا استثمره في مجالات تجارية، أو تقنية، أو عملية، عظيمة وجليلة، ومن لم يستثمره في تلك المجالات فيكفيه أنه جمال له، جمال أخلاقي وروحي، وزينة تزيّنه بين يدي الناس.

بعض الشباب اليوم يقولون: ماذا نجني من العلم إذا كنا لا نجد فرصة للعمل، وبعضهم يقول: ما قيمة أن نكسب شهادة علمية عالية إذا كنا لن نجني منها الكثير من المال، وقد ينطلق هؤلاء إلى ذكر بعض النماذج ممن لم يوفّق في إيجاد فرصة أو وظيفة تتناسب مع اختصاصه العلمي، فيبرِّرون لأنفسهم إهمال طلب العلم، ويغفلون عن أن العلم لا يُقاس بقيمته الاقتصادية فقط، حتى يتبنوا تلك القناعة الزائفة،

إن العلم يُثري النفس ويُهذِّب السلوك، فحتى وإن لم يُدرّ مالاً، فإنه يكتسب صاحبه “جمالاً” من حيث: الرزانة والوقار، والوعي، والبصيرة، والمعرفة، ويكوِّن شخصية متزنة، حكيمة، رصينة، ذات رأي في الكثير من الأمور، قادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ، وبين الحق والباطل، إذ يساهم في بناء فكر نقدي واعٍ يُمَكِّن الفرد من تقييم الأمور بصواب، ويُضفي على القلب نوراً وهدايةً يسترشد بهما في مختلف مجالات الحياة، ويمنح الإنسان شهادة الأفضلية على سواه، وهي الشهادة الأدق والأصدق كما قال تعالى: …

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿الزُّمُر: 9﴾.

إن العلم هو الكنز الذي لا يفنى، فقيمته تتجاوز الأبعاد المادية لتكون سبباً في رُقِيِّ الإنسان معنوياً وأخلاقياً، وقد أبدع الإمام أمير المؤمنين (ع) حين تحدث عن القيمة السامية للعلم فقال:

“يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الاْنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ. يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَاد، مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الإنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الأحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ”

فجر يوم الجمعة الواقع في: 11/4/2025 الساعة (05:03)