الأحد - 27 ابريل 2025

دهاء السياسة وصراع العقول: إيران، أمريكا، والحوار المنتظر..!

منذ أسبوعين
الأحد - 27 ابريل 2025

كاظم الطائي ||

 

سياسة دولية / تحليل استراتيجي

في ظل التوترات الإقليمية والدولية، وبين تصاعد الأزمات وتبدل التحالفات، يترقب العالم اللقاء المرتقب بين الولايات المتحدة وإيران، في مشهد تتقاطع فيه السياسة مع الاقتصاد، وتتحرك فيه أطراف دولية كبرى في خلفية اللعبة.

في مشهد معقد ومتشابك، تتجلى لعبة سياسية دقيقة بين الولايات المتحدة وإيران، عنوانها الظاهر “الملف النووي”، وجوهرها مصالح كبرى تتقاطع فيها الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية.

الولايات المتحدة، الساعية إلى ضبط التوازنات الدولية، حاولت استثمار التوترات مع روسيا عبر إيهام موسكو بتنازلات جزئية في الملف الأوكراني، بهدف كسب حيادها أو دعمها غير المباشر في الضغط على إيران. لكن طهران، التي تملك دراية بتشابك المصالح الدولية، قرأت هذه المحاولة جيداً، وأبقت روسيا خارج إطار الوساطة المباشرة، محافظة على علاقتها معها كحليف استراتيجي تنتظر أن تعود عليه النتائج بالنفع في مرحلة لاحقة، تماماً كما هو الحال مع الصين.

وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن إيران لم تُقصِ روسيا من كونها حليفاً استراتيجياً، بل من لعب دور الوسيط في هذا الحوار الحساس مع الولايات المتحدة. فطهران تدرك أن دخول موسكو كوسيط قد يُربك مسار المفاوضات، نظراً إلى أن واشنطن لا تثق بوساطة روسية، وقد تعتبرها محاولة لاستغلال المفاوضات لمصالح تتعلق بملف أوكرانيا. لذلك، اختارت إيران الحفاظ على علاقتها مع روسيا قوية ولكن من خارج دائرة الوساطة، مفضّلة وساطة عُمان المحايدة لتأمين حوار تقني وآمن وغير قابل للاستغلال السياسي.

الاختيار الإيراني لسلطنة عُمان كمكان للحوار لم يكن عشوائياً، بل مدروس بعناية. فعُمان، بما تملكه من سمعة دولية كوسيط نزيه ومحايد، تمثل بيئة مناسبة لحوار تقني وآمن، بعيداً عن احتمالات التسريب أو الاختراق الاستخباراتي. وبذلك، تكون إيران قد ضمنت السيطرة على مجريات الحوار، وحققت خطوة أولى ناجحة نحو أهدافها.

ما يجري بين واشنطن وطهران لا يمكن فصله عن الاقتصاد والسياسة، وهو حوار يحمل في طياته مؤشرات لصفقات قادمة. فالحرب لم تعد خياراً مطروحاً بجدية، إذ إن الولايات المتحدة تدرك أن أي مواجهة مفتوحة ستستنزف مقدراتها العسكرية والاقتصادية، وهو ما يصب في مصلحة خصومها الاستراتيجيين، وعلى رأسهم موسكو وبكين. الصين، على وجه الخصوص، تترقب لحظة تراجع أمريكي، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب برؤية إيران تنهار، لما في ذلك من تهديد مباشر لنفوذها ومصالحها طويلة الأمد، خاصة باعتبار إيران شريكاً اقتصادياً واستراتيجياً محورياً.

أما إسرائيل، فتبدو وكأنها لا تستطيع العيش دون عدو. فبعد إدراكها أن واشنطن ليست في وارد التصعيد مع إيران، بدأت تلوّح بلافتة عداء جديدة تجاه مصر. وهذا يعيدنا إلى حقيقة أن “السلام” الذي رُوّج له عقب موجات التطبيع مع دول عربية، لم يكن سوى غطاء لخطة تهدف إلى استغفال تلك الدول ومن ثم الانفراد بها واحدة تلو الأخرى.

نحن نترقب يوم غد السبت، اللقاء المرتقب بين الطرفين الأمريكي والإيراني، وهو حوار يُتوقع أن يحمل أبعاداً اقتصادية مهمة. وإذا ما نجح الطرفان في الوصول إلى لغة المصالح المشتركة، فإن المنطقة برمتها قد تشهد انتعاشاً، خصوصاً الدول المحاذية لإيران، التي ستتأثر بشكل مباشر من أي انفراج في العلاقة بين واشنطن وطهران.

في النهاية، تبقى السياسة ساحة لأصحاب الدهاء، بينما يتحوّل السذج إلى أدوات مؤقتة في لعبة لا يدرك مفاتيحها إلا القلة.