المنظومة العشائرية بين الحقيقة والتشويه المقصود..!

ضياء أبو معارج الدراجي ||

كثيرون – للأسف – لا يزالون يختزلون صورة شيخ العشيرة في قالب نمطي مشوّه، يرونه رجلًا أميًا، جاهلًا، لا يجيد كتابة اسمه، متعصبًا أعمى، تارة قاتلًا، وتارة متسلقًا، بل ويضيفون عليه صفات البلطجة والتخلف والرجعية. وهذه الصورة لم تولد من فراغ، بل صُقلت على مدار عقود من السياسات الخبيثة التي انتهجتها الأنظمة المتعاقبة، خصوصًا النظام البعثي البائد، ومن بعده إعلام ما بعد 2003، الذي لم يكن أكثر إنصافًا، بل ساهم في طمس الهوية الأصيلة وتشويه القيم العشائرية الرفيعة، عبر دراما هابطة وبرامج خاوية تسخر من الشيخ وتضحك على تقاليدنا وموروثنا الاجتماعي.

تسويق هذه الصورة المزيفة لشيخ العشيرة هدفها واضح: سلخ المجتمع العراقي من جذوره، وفصله عن تاريخه ومبادئه الأصيلة، وكأنما يراد لنا أن نعيش بلا هوية، بلا إرث، بلا سند اجتماعي. يريدون من الناس أن يخجلوا من انتمائهم العشائري، أن يتبرؤوا من تاريخهم، أن يعتبروا الديوان وصاية والعباءة وصمة، والشيخة تهمة!

لكن الحقيقة التي يحاولون طمسها، أن غالبية شيوخ العشائر اليوم هم رجال دولة، وأصحاب علم، وأهل اختصاص. تجد فيهم الأستاذ الجامعي، الطبيب، المهندس، القانوني، الضابط المتقاعد برتبة عالية، الخبير الاجتماعي، التربوي، المتكلم بلغات أجنبية. لا يحملون عباءة الجهل، بل يلبسونها معطف شرف، فوق بزاتهم الرسمية، أو ردائهم الأكاديمي. لا ينظرون إلى الشيخة كامتياز، بل كمسؤولية ثقيلة، وميراث عن الآباء والأجداد، تتطلب الحنكة والعدل والحكمة والرؤية.

أما من يتطاول على الشيوخ، ويتقول عليهم بالباطل، ويصفهم بأوصاف لا تمت للواقع بصلة، فإما جاهل لم يخالط الناس ولم يعرف مقامات الرجال، أو حاقد أراد التسقيط لحاجة في نفسه، أو مستغرب من بيئته يردد ما يسمعه دون تمحيص.

هؤلاء لا يعرفون أن العشيرة، في العراق، كانت ولا زالت هي العمق الاجتماعي، والحاضنة الأولى للسلم الأهلي، وأن الشيوخ وقفوا حيث تقاعس السياسيون، وأصلحوا حينما ساد الفساد، واحتكم إليهم الناس حينما تلاشت هيبة الدولة.

إننا إذ نرفع صوتنا اليوم دفاعًا عن هذه المنظومة، فإنما ندافع عن كيان متجذر في عمق التأريخ العراقي، عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، عن مؤسسة اجتماعية لطالما كانت صمام أمان في زمن الفتن.

ضياء أبو معارج الدراجي
بيت معارج رئاسة البوكمر عشيرة البودراج
باحث في التاريخ والأنساب
مختص في البرمجة و علوم الحاسبات وأمنية المعلومات