حين ينقطع البث..حكاية الملحد الذي ظن نفسه إلهاً..!
جليل هاشم البكاء ||
في زمنٍ تكاثرت فيه الأصوات وتعددت المنابر، خرج من بين الجموع صوتٌ يظن أنه يعلو على كل الأصوات، شابٌ اتخذ من شاشة هاتفه منبراً، ومن بثوث … تيك توك … ساحة لمعركته … مع من؟ مع خالقه.
كان يدخل تلك البثوث، يلوّح بأسئلته المتكررة … أين الله؟
أثبتوا وجوده!،
وكأن الخالق يُستحضر بكلمة أو يُختصر في معادلة. لا يصغي لإجابة، لا ينتظر رداً، يقفز من موضوع إلى آخر كراقصٍ على حبل مشدود، يخاف أن يثبت فيسقط، فيستمر بالقفز حتى لا يواجه الفراغ الذي بداخله.
مرة يهاجم الإسلام، وأخرى يغمس سهامه في خاصرة الشيعة، يدّعي الحياد الديني، يقول … أنا لا ديني… أنا حر!،
لكن نبرة صوته، وطريقة طرحه، ورائحة كلماته، كلّها تشي بشيء آخر … وكأنه خرج من عباءة سلفية، أو تخرّج من مدرسة فكرٍ وهابي، لا حياد فيها، بل حقدٌ مموّه بثياب النقد.
وراء الشاشة، تجد حوله من يشبهونه … رجال ونساء يتحدثون بثقة، يزعمون أنهم أصحاب وعي وثقافة، لا لشيء، سوى لأنهم حملوا هاتفاً وفتحوا تطبيقاً. أغرتهم فلاشات الحياة، خدعتهم القدرة على الكلام، فظنوا أن بإمكانهم الحديث عن كل شيء، حتى عن الله.
نسي هؤلاء أن النفس التي بين جنبيهم ليست بأيديهم، وأن القلب الذي ينبض الآن قد يتوقف بعد لحظات دون سابق إنذار. يتحدثون عن الحياة كأنهم خالدون، يتحدّون ربهم وكأنهم أسياد الأكوان، وهم في الحقيقة … أسرى وهمٍ صنعه الشيطان.
أيّ مأزق هذا؟
أن تظن نفسك حراً، وأنت عبدٌ لأهوائك. أن تتوهّم أنك قوي، وأنت لا تملك حتى شهيقك القادم. أيّ ورطة أعمق من أن تحارب ربك، لأنك تملك جهازاً ذكياً أو حساباً في تطبيق؟
لو كنت إلهاً، فاخلق ورقة شجر. لو كنت أزلياً، فلا تمت. أما وإنك فانٍ … فاعترف بضعفك، وتواضع. فالفشل ليس في الإيمان، بل في إنكار ما لا يمكن إنكاره، في تجاهل الفطرة التي خُلقت فيها.
إنها ليست قصة شخص … بل قصة جيلٍ يُجرّ من وهم إلى هلاك، يركض نحو حتفه وهو يضحك، لا يدري أن نهايته قد تكون لحظة انقطاع البث.