الأحد - 27 ابريل 2025

💎جواهر عَلَويَّةٌ: “مَنْ صَبَرَ عَلى طاعَةِ اللّهِ وَمَعاصيهِ فَهُوَ الْمُج.ا.هِ.دُ الصَّبُورُ..!

منذ أسبوعين
الأحد - 27 ابريل 2025

السيد بلال وهبي ـ لبنان |

 

 

📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال”: “مَنْ صَبَرَ عَلى طاعَةِ اللّهِ وَمَعاصيهِ فَهُوَ الْمُج.ا.هِ.دُ الصَّبُورُ.

في هذه الجوهرة الكريمة يربط الإمام علي (ع) بين الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، وبين مقام المجاهد الصابر، هذا الربط يُعيد تعريف ال.ج.ه.اد ليس كصراع مع عدو خارجي وحسب، بل كج.ه.اد داخلي يتجلى في م.ق.ا.و.مة النفس في حالتي الامتثال والامتناع،

وهو المعبَّر عنه بم.ج.اه.دة النفس والذي اهتم به الدين اهتماماً منقطع النظير، فالدين يسعى لصناعة إنسان أخلاقي كامل، لا يلغي شهواته وغرائزه بل يعقلها ويكبح جموحها، ليرتقي بأخلاقه إلى مصافِّ الكمال الإنساني، ثم يترك له أن يبني حياة إنسانية أخلاقية سامية، تؤدي به إلى الفلاح والنجاح والسعادة في الدارين،

قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴿الشمس: 10﴾،

ولا يتمُّ له ذلك إلا بم.ج.ا.ه.دة نفسه، وتخليتها من الرذائل والنقائص، وتزكيتها، والله يعينه ويسدِّده في هذا السبيل،

قال تعالى: وَالَّذِينَ جَا…هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿العنكبوت: 69﴾.
لقد اتفق المفسرون أن واحداً من معاني كلمة (ج.ا.ه.د.وا) الواردة في الآية الكريمة هي مجاهدة النفس، وأن واحداً من معاني كلمة (فينا) الواردة أيضاً في الآية تعني سبيل م.ج.ا.ه.د.ة النفس،

فيكون المعنى: أن الذين ي.ج.ا.ه.د.و.ن أهواءهم وشهواتهم ويروِّضون أنفسهم بالصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، يهديهم ويسددهم ويعينهم، حتى ينتهوا إلى الغاية المثلى.

مِمّا لا نقاش فيه أن تزكية النفس وتنمية فضائلها يتطلّب الصبر، بل هو العامل الأهم في هذا المجال، لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال، والصبر نوعان:

صبر على طاعة الله: ويتجلّى في الاتيان بما أمر الله به، سواء في العبادات مثل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وسوى ذلك من الواجبات، أو في تنمية فضائل النفس والاتصاف بالصفات الأخلاقية السامية، أو الاعتقادات الصحيحة التي تتطلَّب إمعاناً في البحث والدراسة والتفكُّر، والثبات عليها رغم المشاق والمتاعب التي تكتنف السير إليها، والصبر هنا صبر إيجابي، وفعل إرادي يُثمِر صلاحاً واستقامة وكمالاً في الإنسان.

وصبر عن معاصي الله: ويتجلّى بكبح الشهوات، واجتناب المحرمات، وهو أصعب من الصبر على الطاعة لأن النفس تميل إلى الهوى، وهذا صبر سلبي، أي أنه صبر على عمَّا تحِبُّه النفس وتشتهيه، وهذا الصبر يمثِّل درعاً ضد الانحراف.

وكلا النوعين من الصبر من أجلى وأظهر درجات الج.ه.ا.د، والمج.ا.ه.د الحقيقي هو الذي يغلب هوى نفسه بالصبر في الحالتين، وهذا ما قاله رسول الله (ص) فيما رُوِيَ عنه، حيث جاء:

إنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) بَعثَ سَرِيّةً، فلَمّا رَجَعوا قالَ: “مَرْحَباً بقَومٍ قَضَوُا ال.جِ.ه.ادَ الأصْغَرَ وبَقِيَ علَيهِمُ ال.جِ.ه.ا.دُ الأكْبَرُ. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما ال.جِ.ه.ا.دُ الأكْبَرُ؟ قالَ: جِهادُ النَّفْس”. وقالَ (ص): “أفْضَلُ ال.جِ.ه.ادِ مَن جَ.ا.هَ.دَ نَفْسَهُ الّتي بينَ جَنْبَيهِ”.

إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ صَبَرَ عَلى طاعَةِ اللّهِ وَمَعاصيهِ فَهُوَ الْ.مُ.ج.ا.هِ.دُ الصَّبُورُ” قد أصاب عين الحقيقية، وكيف لا، والقائل عَلِيٌ (ع)، إن قتال العدو أسهل وأيسر بكثير على كثير من الناس من م.ج.ا.ه.د.ة النفس والصبر على الطاعة وعن المعصية، فالذين يُخفِقون في م.ج.ا.ه.د.ة أنفسهم أكثر بكثير من الذين يفرّون من أمام أعدائهم،

بل إن الأعداء لا يمكنهم أن يهزموا إلا ذاك الذي ضعف أمام شهواته وغرائزه، وعجز عن م.ج.ا.ه.د.ة نفسه، فإنهم إمّا أن يخوّفوه بمنعه من تلبية شهواته فيسقط، أو يزَيِّنون له الشهوات فيسقط أيضاً، أما ذاك الذي ج.ا.ه.د نفسه وأمسك بها، وتحكَّم بغرائزه وشهواته فلا يتمَكّن عدوٌ مهما بلغ من القوة من التزيين له، أو إرغامه، أو التأثير في ذاته.

إن هذه الجوهرة العلوية الكريمة تُجسِّد رؤيةً عميقة وشاملة لأحد أهم أنواع الج.ه.ا.د أعني به ج.ه.ا.د النفس، وعلاقته بالصبر حيث يصير الصبر سلاحاً في وجه التحديات الداخلية والخارجية، وبذلك يصل المؤمن إلى مقام “ال.م.ج.ا.ه.د الصبور” الذي وعده الله أجرَه بغير حساب.
|
فجر يوم الإثنين الواقع في: 14/4/2025 الساعة (04:57)